طوارئ وسط ولاة الجمهورية لدرء مخاطر أمطار الخريف

يسابق ولاة الجمهورية، الزمن، لوضع مخطط استباقي لمواجهة مخاطر هطول أمطار الخريف، من خلال تنزيل إطار عمل استراتيجي لإدارة مخاطر الفيضانات المحتملة، وذلك بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية.
ويعقد ولاة الوطن ومسؤولو الديوان الوطني للتطهير، اجتماعات يومية من أجل تسريع خطوات عملية، تهدف إلى جرد النقاط السوداء وبدء صيانة شبكات التطهير وتنقية البالوعات لتجنب وقوع سيناريوهات الماضي وكذا لضمان حماية أرواح وممتلكات المواطنين.
وباشرت السلطات المحلية في 13 ولاية تقريبا، عملية واسعة لهدم منازل آيلة للسقوط خاصة الواقعة على ضفاف الأودية على غرار سعيدة، وهران، الشلف، سيدي بلعباس، تيبازة وعين الدفلى، التي تشهد أكبر تجمعات البنايات الهشة، مع شروعها في ترحيل ساكنيها إلى سكنات لائقة في إطار برامج “البناء الهش” مع استعادة الأراضي التي كانت تضم “غيتوهات قديمة”، لا تستوفي شروط الحياة الكريمة.
استيعاب الدروس
كما يشمل المخطط الاستباقي الذي يشتغل عليه الولاة شخصيا في اجتماعات حاسمة، استيعاب دروس الماضي، التي شهدت تقلبات مناخية عنيفة مست تقريبا كافة مدن الوطن، من خلال تحليل وتقييم الأمطار التي خلفت خسائر في الأرواح والممتلكات، حيث تلقى الولاة تعليمات صارمة من وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، لوضع آليات الإنذار المبكر على مستوى المناطق المعرضة للأمطار الغزيرة، الرياح القوية والعواصف، بالإضافة إلى تعزيز نظام اليقظة والمداومة على مستوى المصالح التقنية لضمان التكفل الفوري والفعال بالتدخلات الاستعجالية، بالإضافة إلى تدبير مخطط “اليقظة” بشكل استباقي اعتمادا على الرصد والتتبع والمراقبة والإنذار والتحسين والوقاية، إضافة إلى حرص الولاة على إلزامية إشراك المجتمع المدني والمواطنين في هذا التوجه، الذي يهدف إلى تيسير مهام السلطات المحلية، والانخراط في مخطط حماية المدن من أولى أمطار الخريف، في مسعى واضح يرمي إلى تفادي تكرار التجارب السابقة، من خلال البدء في حملات تنقية مجاري المياه وتطهير البالوعات وتنظيف وتهيئة حواف الطرقات والمسالك.
وتأتي جهود السلطات المحلية في الرفع من جاهزية فرق التدخل وبقائها على أهبة الاستعداد، للتعامل مع كل طارئ، من خلال تجنيد الموارد البشرية الضرورية، وتعبئة مختلف الآليات وكافة الإمكانات الممكنة وتموقعها الاستباقي في النقاط الحساسة، وبالقرب من المسالك المهددة بالأمطار الخريفية، في ظل التغيرات المناخية التي أصبحت من ضمن الظواهر التي تشكل خطورة على سلامة الأشخاص والممتلكات، فضلا عن التهديدات المحدقة بالصحة العمومية، البيئة والأمن الغذائي.
ووجه الولاة، تعليمات إلى المديرين التنفيذيين كافة، للبدء في تشكيل تعبئة الإمكانيات البشرية واللوجستية الضرورية لضمان “مستويات عالية” من الوقاية للحد من الآثار السلبية للتقلبات المناخية المحتملة، وذلك بإشراك الفاعلين المدنيين، لأجل حصر “النقط السوداء” والمواقع الأكثر عرضة للفيضانات، خاصة بعد لجوء مواطنين في المدة الأخيرة إلى تشييد مساكن فوضوية في “مدن شاطئية” منها، إذ تطلب الأمر تسخير القوة العمومية لهدم “بيوت الدور” تحت إشراف الولاة شخصيا، وكان والي مستغانم، أمر بتنزيل كل التدابير الردعية لهدم ما يقرب من 503 بناية في 7 بلديات شاطئية معظمها تقع على ضفاف وادي الشلف.
هدم 125 بناية فوضوية بوهران
كما أصدر والي وهران سعيد سعيود، تعليمة إلى رؤساء البلديات الـ26 تحت إشراف رؤساء الدوائر، بإحالة كل المتسببين في “السمسرة” في عقارات الدولة، على العدالة، حيث تم الفراغ في الأيام الأخيرة من إجراءات هدم 125 بناية فوضوية و50 أساس منازل في منطقة “دوار الدوم” ببلدية حاسي بونيف ببئر الجير وعين الترك وبوسفر، ضمن عملية كبيرة للقضاء على بؤر انتشار البنايات الفوضوية وكلها أقيمت في مواقع خطيرة جدا.
وأخذ المخطط الاستعجالي، حيزا معتبرا من أشغال السلك التنفيذي في الأيام الأخيرة، خاصة في المدن التي عاشت، طوارئ قصوى منذ شهور فقط أو المناطق التي حاصرتها أمطار خريف 2022، ونتجت عنها وفيات وخسائر مادية جسيمة، إذ تم تسريع إعداد مخطط استثنائي الغاية منه القضاء على المواقع السوداء للمفارغ العشوائية للنفايات، مع تجنيد كل فرق عمل النظافة والتطهير لتهيئة الوديان وتنظيفها ودخول ولايات عديدة في أشغال صيانة منشآت حماية التجمعات السكانية والهياكل العمومية من الفيضانات.
ويتخوف الكثير من ساكنة المدن الكبرى تحديدا، من غرق بعض المناطق الحضرية، جراء هطول الأمطار وعجز مجاري الصرف الصحي عن تحمل مياه الأمطار.
وبدأت تتعالى أصوات في صفوف المواطنين، تطالب بضرورة تحرك الديوان الوطني للتطهير المفوض له تدابير شفط وتنقية مجاري الصرف الصحي من النفايات التي تبقى عالقة، تفاديا لانغلاقها ومنع مياه الأمطار من ولوجها وذلك لتوقي تكرار مشاهد السنة الفارطة.
وشدد فاعلون مدنيون، على أن العمل الاستباقي، الذي يمكن أن تقوم به السلطات العمومية، سيقلل من المخاطر التي شهدتها ولايات الوطن في المدة الأخيرة، التي حولت شوارع وطرقات إلى “مستنقعات”، كما فقد المواطنون أمتعتهم وأغراضهم وعاشوا ليالي مأساوية نتيجة اختناق قنوات الصرف الصحي وتسرب المياه العادمة إلى المنازل.
تلافي كوارث مضاعفة….
ويرى “عبد اللطيف بوعلي” أستاذ بقسم الجيولوجيا بجامعة عبد الحميد بن باديس في مستغانم، أنه من الأهمية بمكان أخذ العمل الاستباقي على محمل الجد في هذا التوقيت بالتحديد، ورسم كل السيناريوهات المحتملة للحد من مخاطر الكوارث باستباقية التدخل، فالتأهب للكوارث سيحول دون حدوث أضرار جسمية، ويجنب وقوع وفيات وخسائر بالملايير.
وبحسب المتحدث لـ”الشروق”، فإن الجزائر تعرضت في السنوات الأخيرة، لعدة كوارث طبيعية، أهمها الفيضانات الأكثر تهديدا في العقد الأخير، وحسب محدثنا، فإن النهج الاستباقي أفضل الحلول وأجدى من “رد الفعل”، الذي غالبا ما يأتي بعد وقوع الكارثة وتعتمد مقاربته على حلول “ترقيعية” يستعمل فيها المال العام بلا جدوى، بخلاف خطط العمل الاحترازية التي يتم رسمها قبل وقوع الأسوأ، لافتا إلى أن التحركات المذكورة، تهدف إلى تنسيق عمليات التدخل والتعبئة واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة عبر مجموعة من التدابير، من أجل التخفيف من الآثار السلبية لهذه التقلبات المناخية من خلال التنظيم الميداني والاستباقي.