عام على “طوفان الأقصى”.. “الشروق” في معركة السردية
منذ الساعات الأولى لتنفيذ هجمات السابع من أكتوبر المبارك في غزة العزة، توقّع الكثيرون أن تكون الحرب الجديدة مختلفة عن سابقاتها في مداها الزمني والإستراتيجي، بالنظر إلى صدى الهجوم عسكريّا ومعنويّا، لكن غاب عن استشراف الأغلبية، بمن فيهم الخبراء، تكشّف “طوفان الأقصى” على هذا القدر من الصمود الفلسطيني الأسطوري، في مقابل الخذلان العربي والإسلامي والدولي، باستثناء صرخات الشعوب المغلوبة على أمرها، وإن كان التلاشي يلاحقه بمرور الوقت الخيبة الكبيرة من الأنظمة الرسميّة.
خلال عام كامل من العدوان الهمجي المفتوح، على أرض فلسطين، بين مقاومة شعبية باسلة، لأنها لم تعد فصائليّة، تتشبث بالأرض مهما كانت الأثمان، وبين غطرسة صهيونية – أمريكية تدوس كل القوانين الدولية والشرائع الأممية والأعراف الإنسانية، ظهر التمايز الواضح في وسائل الإعلام العربية، بين أهل القضية الفلسطينية ومنابر التطبيع الصهيوني التي تقاطعت إلى حد التماهي في الكثير من القراءات مع الصحافة العالمية المتصهينة.
في غضون هذه الملحمة الخالدة، وقف “مجمع الشروق” بكل فروعه الإعلاميّة مع يوميات الحدث في كل كليّاته وتفاصيله الخبرية، من منظور مهني وعقائدي وهوياتي يرتبط بالانتماء للأمة العربية الإسلامية.
طيلة 365 يوم، لم تتخلّف “الشروق”، بقنواتها وصحفها الورقية والإلكترونية ومنصاتها الاجتماعية، عن مواكبة الحدث المفصلي في التاريخ المعاصر للأمة، لكنها لم تتعامل معه كمادة خبريّة فقط، بل باعتبار عملها المهني واجبا حضاريّا تجاه قضية عقديّة وقومية وإنسانيّة، تقتضي النصرة بكل نملك، فهي لا تقبل المناورة ولا الوقوف على الحياد، ناهيك عن المساومات والبيع والشراء.
لذلك، لم يكن تعاطي “الشروق” مع “طوفان الأقصى” من زاوية التناول الصحفي الجاف والروتيني أو المناسباتي، بل شكّل محور نضال إعلامي مستميت طيلة 12 شهرا من المعركة المفتوحة، حيث تصدّر أخبارها وعناوينها وملفاتها وبرامجها ومبادراتها في كافة الاتجاهات، لأنّ المسألة في معيارية المؤسسة تتجاوز تغطية الأحداث الخبرية إلى موقف تاريخي عملي من القضية المركزيّة، تستوجب نفير كل قوى الأمة وأدواتها الفاعلة بتنوّع أدوارها.
بهذه المقاربة، برزت “الشروق” بقوة ضمن منابر المقاومة الحقيقية في الإقليم العربي، وعلى مستوى الجاليات العربية عبر أقطار العالم، حتّى وإن كانت مجمّعا محليّا في الأساس، لكن صداها لا يزال يتوسّع خارج القطر، بفضل خطها التحريري التحرّري، المتبني لقضايا الأمة وتطلعات شعوبها نحو القدس الشريف، لذلك كانت دوما القبلة الأولى وطنيّا ومغاربيّا في كل المبادرات الإعلامية والشعبية الموجّهة خلال العقود الأخيرة لنصرة فلسطين.
مكافحة بالصورة والصوت والقلم، سعت “الشروق” لنسف السردية الصهيونية التي حاولت أبواق عبريّة في أثواب عربية تمريرها على المشاهدين والقراء، لتغيير نسق الرأي العام تجاه القضية المركزية، بتحريف المفاهيم وإشاعة التعبيرات اللغوية والاصطلاحية المحرّفة، لتزوير الحقائق على الميدان وفي الوعي الجمعي.
لقد قدّرت “الشروق” من البداية أن معركة السردية/الرواية لا تقل أهمية عن معركة الأرض، بل إنها أكثر خطورة في صناعة المستقبل، لأنها تتعلق بتشكيل الأنساق العقلية والثقافيّة الحاضنة أو المعادية للقضية الفلسطينية العادلة، لذلك انحازت بفعاليّة إلى “خطاب الفَلسْطنة”، أي الدفاع عن تكريس الحق الفلسطيني في المقاومة والحرية وبناء الدولة وفق الحدود التاريخية، في مواجهة “خطاب الصَهيْنة” المُشطين للجهاد المشروع وحق الدفاع عن النفس والمروّج للسلام الكاذب باسم التعايش والتطبيع، لتغليف الخيانة وبيع شرف الأمة ومقدساتها في سوق النخاسة الدوليّة، لأجل صيانة العروش الملكيّة والأميريّة والجمهوريّة على السواء.
صحيح أنّ “الشروق” ليست استثناء بهذا الملف في المشهد الإعلامي الوطني، لكن أن تكون كمؤسسة إعلامية كبرى من القطاع الخاصّ، منحازا بشكل صريح، بل واستفزازي أحيانا، مع القضية الفلسطينية، في مناخ إقليمي متخاذل وجزء منه متواطئ، وساحة عالميّة تحكمها خوارزميات الأخطبوط الصهيوني، فلا شكّ أن الموقف ستكون له أثمان خفيّة، نحن جاهزون لأعبائها الثقيلة، لأنّنا ننتمي، ملاّكا ومسؤولي تحرير وصحفيّين، إلى مؤسسة رساليّة ترفع خدمة قضايا الأمة إلى مستوى الواجبات المقدّسة في كل الظروف.