على الأولياء تغيير نظرتهم للبكالويا في زمن الذكاء الاصطناعي

على قدر الفرحة بنيل شهادة البكالوريا، يعيش المترشحون ضغوطا هائلة قبل وأثناء الامتحان، وأحيانا حتى بعد الإعلان عن النتائج، إلى درجة تحول فيها هذا الامتحان العادي والفردي إلى حالة مستعصية وعسيرة يعيشها كل المجتمع، فالشهادة التي كانت خطوة للنجاح يراها بعض الأولياء منتهى النجاح.
ووصل الأمر إلى انخراط بعض المتحصلين على معدلات عالية تصل إلى 15 من عشرين بالبكاء، بحرقة لأنهم لم يتحصلوا على معدلات تسمح لهم بتبوأ المراتب الأولى!.. فالطقس الاجتماعي الذي يشهد احتفالات جنونية من طرف الناجحين، يحدث في وقت يشهد العالم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي تغير المفاهيم، إذ أصبحت المهارات لا تعترف بالشهادات الجامعية في الكثير من الأحوال.
ويرى مختصون في علم النفس والاجتماع، أن البكالوريا لم تعد شهادة عند بعض العائلات الجزائرية، تسهل على أبنائهم مواصلة دراستهم الجامعية، ولا جسرا للبحث على نجاحات أخرى، بل فرحة مؤقتة تملكها العائلة ككل وليست تخص تلميذا اجتهد ونجح.
وقالت الباحثة في علم الاجتماع، ثريا التيجاني، في تصريح لـ”الشروق”، أن المشاحنات بين الجيران والأقارب حول فرحة “الباك”، ازدادت بشكل ملفت للانتباه في الآونة الأخيرة، خاصة بعد استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر والتباهي باحتفالات لا تخضع لضوابط عقلية ولا أخلاقية أحيانا، يظهر فيها شباب يقودون سيارات أو دراجات نارية من دون رخص سياقة حتى.
ثريا التيجاني: اختصار النجاح في الشهادة يعقد الممتحنين
وأكدت التيجاني، أن المفاهيم الاجتماعية تغيرت في ظل التطور التكنولوجي المذهل، “وهذا يستدعي تغيرا في ذهنيات العائلات الجزائرية، حيث من المفروض حسبها، أن لا ينظر للبكالوريا أنها كل النجاح، بل إحدى وسائل النجاح وإحدى خطواته، موضحة أن تحريف النظرة إلى شهادة “الباك”، واستغلالها من طرف الكثير من الأمهات كوسيلة فخر وتعال ومشاحنة وسط العائلة أو الأقارب والجيران، زاد من حدة الضغط على أبنائهن، بل كان السبب في فشلهم أو إصابتهم بأمراض نفسية وعضوية، وإقدام بعضهم على الانتحار أو الهروب من المنزل”.
شباب يملكون مهارات وحرف لا تحتاج شهادات
وفي سياق الموضوع، قال عبد الحليم مادي، مختص في علم النفس التربوي، إن المجتمع الجزائري كان يعيش بعقلية أن النجاح في البكالوريا، يسمح بأن يكون جسرا لأن يصبح أحد أبنائهم طبيبا أو مهندسا، أو مديرا أو أحد الإطارات بالمؤسسات الجزائرية الكبرى، لكن أصبح الاهتمام بهذه الشهادة أكثر حدة، إلى درجة أن بعض الأولياء تنطفئ فرحتهم بعد الاحتفال مباشرة، والمهم عندهم هو النجاح في “الباك”.
عبد الحليم مادي: التركيز على تنمية المهارات بدل الاكتفاء بالشهادة
ويرى مادي، أن البحث عن هذه الفرحة المؤقتة من اجل التباهي، هو الدليل على حجم الضغط النفسي الذي يعيشه المترشحون للبكالوريا أثناء اجتيازهم الامتحان، قائلا إن هناك مئات الآلاف من التلاميذ لم ينجحوا، لكن اغلبهم نجحوا بمهارات وحرف مطلوبة في زمن التكنولوجيا.
وأكد الخبير في علم النفس التربوي والاستشاري في التنمية البشرية، أن المهارات ميزت أشخاصا لا يملكون شهادة البكالوريا وشهادات جامعية، ولأنهم ببساطة يعرفون ما يحتاجه عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع العلم أن بعض الأميين تفوقوا في حياتهم المهنية وربطوا علاقات خارج الوطن، لأنهم يحسنون استغلال الانترنت.
وأفاد في السياق، أن على الأولياء أن يهتموا بنجاح أبنائهم، وان حصولهم على البكالوريا شيء ايجابي، لكن لا يعني أن ذلك كل النجاح، فهناك نجاحات أخرى في الحياة، وهناك أبناء يملكون مهارات ومواهب قد لا تزول، في حين أن هناك مهنا ووظائف حصل عليها أصحابها عن طريق النجاح في “الباك”، لكن الذكاء الاصطناعي قد يقضي عليها مستقبلا، حيث تحل الآلة مكان البشر.
وحسب الاستشاري في التنمية البشرية، عبد الحليم مادي، فإن التركيز على المهارات عند الأبناء يفيد في ترتيب الأولويات وإعادة النظر إلى القيمة الاجتماعية لشهادة البكالوريا، على أن لا يستهان بهذه الأخيرة.