-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علي فضيل .. وداعا

وجيدة حافي
  • 435
  • 1
علي فضيل .. وداعا
ح.م

“ترجل الفارس عن فرسه” وترك الساحة لأبنائه، وكل من علّمهم حرفا فكانوا له نعم الأبناء البررة، على الرغم من المرض والتعب، إلا أنه تحمّل مرارا وتكرارا نفاق وجبن وخداع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ودافع عن الحق والمظلومين، لم يرض بالذل والهوان، وقرر الكتابة وفضح المستور؛ عن طريق قلمه وجريدته واسعة المقروئية والانتشار. لا أعرف الأستاذ شخصيا، لكن الشهادات التي قيلت في حقه أبانت عن شخصية كبيرة ورجل طيب؛ سخَّر حياته للوطن وأبنائه، أعطى باليمنى وأخفى عن اليسرى، صنع اعلاميين من الطراز الكبير، وبفضله بتنا نسمع حقائقَ ونتمتع بتحليلات سياسية واقتصادية عن الوطن الجريح، وعلى الرغم من الصعاب والمعيقات، إلا أنه فتح قناة اعلامية كبيرة موجهة للمشاهد ولكل من يمتلك موهبة اعلامية، واعتبرهم أبناء وأخوة وساعدهم على بلوغ الهدف المنشود.

نعم إني أتكلم عن فارس الشروق الإعلامي الكبير الأستاذ علي فضيل رحمة الله عليه، بكاه الصغير قبل الكبير، المرأة والرجل، الكل قال: “واعليَّاه”، دموعهم لم تجف، وقلوبهم لم تكف عن النبض الحزين، لم يصدقوا أن ذاك الذي كان لهم عونا وسندا قد غادرهم إلى الأبد.

في الحقيقة رثاء الشروقيين وحزنهم على أبيهم وأخيهم؛ عاد بذاكرتي الشابة والمتألمة إلى ثلاث سنوات مضت، وبالضبط إلى يوم وفاة الإعلامي أبي السلطة الرابعة الكبير بشير حمادي.. فبشير كان مثل علي ومصمودي، وآخرين آمنوا بالحلم وبالشباب وثورته، أسّسوا مع بعض جريدة “الشروق اليومي”، ووضعوا اليد في اليد، وصنعوا لأنفسهم أسماء من ذهب في عالم اعلامي لا يرحم المتكاسل والخائن، شعارهم كان: “الكلمة الصادقة والحرف النقي”، وهذا كله جعلهم في أعين السلطات مذنبين تحت مجهر المراقبة الدائمة. تشتتوا وذهب كل واحد منهم إلى حال سبيله، إلا أنهم ظلوا على العهد أصدقاء. رحل مصمودي، وتبعه بشير لنُفجَع مرة أخرى بموت قامة وهرم إعلامي كبير اسمه علي فضيل.

مات علي… ولكن “اللي يخلّف ما يموت” كما يقول المثل المصري، فالرجل ترك وراءه إرثا من الشباب المتميِّز، المبدع، الحالم، والمؤمن بالوطن وتطوره… شباب وعلى الرغم من كل الصعوبات، إلا أن شعارهم دائما وأبدا ظل “الجزائر قبل كل شيء”.

وطننا بلد الثروات الباطنية والفكرية، وطن الشباب المثقف والواعي، الذي لم يتخذ العنف عنوانا له في حراكه السلمي البطولي بشهادة الجميع، وهذا كله يرجع للسلف الطيب، لهؤلاء الذين علمونا أن الكلمة في وقتها حق وواجب، والوطن خط أحمر، والعدو ثعلب ماكر يجب الحذر منه وبذكاء…

ماذا نقول أمام قضاء الله وقدره؟ لا يسعنا إلا الصبر واحتساب فقيد الاعلام الجزائري والعربي عند الله تعالى، فــعلي فضيل لم ينس أثناء مسيرته للدفاع عن القضايا العادلة “فلسطين” الحبيبة التي سكنت قلبه، وناصرها بقوّة، دافع عن قضايا الأمة الاسلامية والعربية بكل ما أوتي من قوة وصبر، وسخَّر الأقلام الرائعة التي كوَّنها لهذا الغرض النبيل.

لن نقول “وداعا أستاذ”، سنلتقيك إن شاء الله في الآخرة.. لن نودعك، لأنك ستظل حيا في قلوبنا، وسنذكرك عند كل عيدٍ وطني للصحافة. صحيح أن هذا العيد قد لبس ثوب الحزن، وعوض التهاني والتبريكات، جاءت التعازي فيه والدعاوي لتعطينا احتفالا باهتا لا طعم له، سنتذكرك من خلال ابتسامتك المشرقة والبهيَّة؛ التي كنت تُطلّ بها علينا وتُتحفنا بكلام جميل وطيب.. صدقوني أن هناك عجائز كثيرات قلن لي: “مات صاحب الضحكة المليحة”.

رحل الرجل وبقيت ذكراه معنا إلى الأبد.. نم قرير العين أستاذنا، وتأكد أننا كأقلام وكتَّاب سنكمل مسيرتكم، وسيأتي يوم ويصبح فيه للإعلام الجزائري مكانةٌ بين الدول. وكما قلتُها لأستاذي ومُلهمي الراحل بشير حمادي؛ أقولها لك وبأمل عميق أنه سيأتي اليوم الذي تتحسن فيه العلاقة بين السلطة والصحافة، ستبقى حيا في قلوبنا وعقولنا.. إلى الملتقى في جنات الخلد إن شاء الله.

هي إذن كلماتٌ في حق الرجل الذي قيل في حقه الكثير، ظُلم وأُعتقل واختُطِف، ولكن رحيلك في هذه المرة كان إلى جنان الخلد إن شاء الله.. رفع قلبه الراية البيضاء، وقال: “إلى هنا وفقط يا علي”.

أستاذنا.. رحلت جسدا، لكن فكرك وآراءك ومسيرتك ستبقى عنوانا شاهدا عليك إلى يوم الدين، أما جوابي للنابشين في ماضيك؛ فأقول لهم إن كل ابن آدم خطاء، والرجل الآن في قبره، فاذكروا موتاكم بخير.

مرة أخرى أقول أمام هذا المصاب الجلل؛ إنا لله وإنا اليه راجعون، ففي نهاية المطاف كلنا سنرجع إلى خالقنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عائشة سديري

    رحم الله فقيد الاعلام الجزائري الاستاذ علي فضيل وشكرا للكاتبة وجيدة حافي التي نعته بكلمات حزينة تحمل الكثير لرجل قدم الكثير للجزائر