علّموا أبناءكم كيف يفكّرون

فاجأنا أحد نواب البرلمان الجزائري مؤخّرًا بدعوة علنية لوقف تدريس مادة الفلسفة، بل وتصويرها وكأنها عبء ثقيل على التلاميذ، لا يقدّم لهم نفعًا في حياتهم العملية أو الواقعية.
مثل هذا الطرح، وإن بدا للوهلة الأولى “نابعًا من نية إصلاحية”، فإنه في جوهره يُمثل انزلاقًا خطيرًا نحو تبسيط وظيفة المدرسة وتحويلها إلى مجرّد مصنع لشهادات تقنية، لا فضاءً لبناء الوعي وترقية التفكير.
إن الفلسفة ليست مادة دراسية فحسب، بل هي تربية عقلية وأخلاقية وإنسانية. إنها تعلّم أبناءنا كيف يفكرون، لا بماذا يفكرون، وهي التي تفتح أمامهم أبواب التساؤل، وتحرّرهم من جمود المسلَّمات، وتجعلهم أفرادًا قادرين على مواجهة العالم بعقل نقدي لا منقاد.
لقد راهنت أعرق الأنظمة التربوية في العالم على الفلسفة، واعتبرتها مادة مركزية في تكوين المتعلم، خصوصًا في المرحلة الثانوية. فهل يُعقل أن نتخلّى عنها في وقت تُواجه فيه مجتمعاتنا خطر التطرّف الفكري، وضعف القدرة على التمييز، والانغلاق على الذات؟
ما نحتاجه فعلًا هو مراجعة طرق تدريس الفلسفة، لا شطبها. نحتاج إلى جعلها مادة حيّة، نربطها بأسئلة الواقع، نُشرك فيها التلميذ لا كحافظٍ بل كمفكّر. نحتاج إلى تكوين أساتذة يتحرّرون من ضغط “المنهج النمطي”، ويتجهون نحو التفاعل الحر مع المفاهيم والأسئلة.
إن المطالبة بإلغاء الفلسفة هي، في الحقيقة، دعوة إلى تجريد المدرسة من دورها في بناء الإنسان، وتحويلها إلى آلة لإنتاج الحاصلين على البكالوريا، لا القادرين على صناعة التغيير.
في الحقيقة أن هذا الطرح يتنافى مع روح الإصلاح التي ننشدها، ويختزل العملية التعليمية في بعدها الامتحاني فقط، متجاهلًا الغايات الكبرى للتربية التي يجب أن تُنتج جيلًا متوازنًا فكريًّا ووجدانيًّا.
لنختلف حول المناهج، ولنراجع طرق التقييم، ولكن لا نحارب مادة الفلسفة لأنها تُفكّر وتُقلق الراحة السطحية لعقول تعوّدت على الجاهز والمعلّب.
في زمن القوالب الجاهزة… علموا أبناءكم كيف يسألون.. كيف يفكِّرون.