“عمالة الأطفال” صغارٌ يبيعون أحلامهم في الشارع ببضعة دنانير!

وأنا ذاهب إلى المنزل بعد يوم عمل طويل، عندما ركبت في “الترامواي” استوقفني منظر طفلين لم يتجاوز عمرهم الأربع سنوات يتجولون في أنحاء الترامواي حاملين صندوقا كبيرا يزن نصف وزنهم وينادون بصوت بريء وخافت “حلوى للبيع وكاوكاو” يعرضون أحلامهم لا عفوا بل أقصد سلعتهم البسيطة للمارة مقابل بضعة دنانير…!
هذا المشهد أثر فيّ أيما تأثير لأني أعلم جيدا أن أحلام أي طفل في سنهم هو أن يمتلك صندوقا كبيرا من الحلوى وأن يقوم بالتهامه قطعةً قطعة لكن أولئك الأطفال كانوا يحملون ذاك الصندوق بغية بيع سلعتهم أي أنهم كانوا “يبيعون أحلامهم “بكل ما تحمل الكلمة من معنى فقررت البحت عن نِسب عمالة الأطفال في الجزائر وجهود الدولة في محاربة هذه الآفة.
وقد كرست الجزائر دوما التزامها بحماية وتعزيز حقوق الطفل عبر حضورها الدائم في المحافل الدولية وتصديقها على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، إلى جانب ترسانة النصوص التشريعية والتنظيمية الوطنية المكرسة لمبدأ الدفاع عن الحقوق الأساسية للطفل والحد من كافة أشكال استغلاله.
وتحيي الجزائر، يوم غد الخميس، اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال في ظل تواصل الجهود من أجل تعزيز تدابير الوقاية وآليات الرقابة في هذا المجال عبر تبني سياسات وقوانين صارمة لحماية هذه الفئة وترقية حقوقها في التربية والتعليم والترفيه.
وبهذا الخصوص، أوضح نائب مدير مراقبة ظروف العمل بالمفتشية العامة للعمل، إلياس رحماني، في تصريح لـ”وأج”، أن مصالح المفتشية التي تسهر على مراقبة مدى تطبيق القوانين في العمل، قامت خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الجارية بزيارات تفتيش إلى 49.629 مؤسسة مستخدمة لمراقبة السن القانوني للتوظيف.
وكشفت هذه الزيارات أن عمالة الأطفال دون سن 16 تعد “شبه منعدمة” في الجزائر، مشيرا الى أن هذه النتائج “تترجم أهمية البرامج الوقائية والرقابية وتعكس الجهود المبذولة في إطار التنسيق المؤسساتي”, علاوة على “الوعي بضرورة احترام حقوق الطفل والتقيد بالقوانين المتصلة بهذا المجال”.
وذكر رحماني بالإجراءات الهامة التي اتخذتها الجزائر في هذا المنحى، حيث وضعت ترسانة قانونية قوية للوقاية من عمالة الأطفال ومكافحتها وتعزيز آليات الرقابة الخاصة بتطبيق هذه النصوص.
كما أبرز “العناية الخاصة” التي توليها الجزائر لحماية وترقية حقوق هذه الفئة، مذكرا بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها الجزائر، من بينها الاتفاقية الدولية المتعلقة بالسن الأدنى للتوظيف، الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل والميثاق الإفريقي لحقوق الطفل.
وفي نفس السياق، عرج رحماني على الدور المنوط باللجنة الوطنية القطاعية للوقاية ومكافحة عمالة الأطفال، والتي تتكفل باقتراح إجراءات تتعلق بهذه المسألة لإعداد مخطط عمل سنوي يتم تنفيذه على المستوى الوطني.
كما ذكر أيضا بمهام لجنة التنسيق الدائمة التابعة للهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، والتي تضم ممثلين عن مختلف القطاعات والمجتمع المدني، حيث تساهم في تعزيز التنسيق بين الأطراف الفاعلة لتجسيد التدابير المتعلقة بمرافقة الطفولة وحماية حقوقها.
وتعمل اللجنتان مثلما أكده رحماني على “تجسيد رؤية موحدة ترتكز على تدابير الوقاية والتبليغ والحماية”، خاصة فيما يتعلق بالوقاية من عمالة الأطفال ومكافحتها، معتبرا أن الجزائر “من الدول الرائدة” في هذ المجال.
ولذات الغرض، يتم الإعداد لمشروع المخطط الوطني للطفولة (2025/ 2030) من طرف الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، والذي يتضمن عدة اقتراحات ترمي إلى تعزيز حماية الطفولة وترقيتها على شتى الأصعدة، وذلك بمشاركة مختلف القطاعات المعنية.
وتبدو الظاهرة أكثر انتشارا في الاقتصاد غير الرسمي خاصة في المدن، وترتفع نسبها في أيام العطل لاسيما العطلة الصيفية وأيام المناسبات وكذا في شهر رمضان الفضيل، وهذه الظاهرة لا تقتصر على الذكور فقط بل تشمل الجنسين معا المتمدرسين منهم وغير المتمدرسين.
وتُعد ظاهرة تشغيل الأطفال شبه منعدمة بفضل النظام التعليمي والمراقبة القانونية الصارمة بالجزائر حيث تجد منهم حالات نادرة على حافة الطرقات مرتدين ألبستهم القديمة الفضفاضة خاصة شهر رمضان يبيعون “المطلوع” و “الديول” أو “البقدونس” تحت أشعة الشمس التي تحرق ملامحهم البريئة.
وفي الأخير صحيح أن الظروف المعيشية أحيانا قد تدفع بالأسر الفقيرة إلى الهاوية مُجبرة إياها أن تلجأ لكل الطرق بُغية كسب لقمة العيش لكن على الآباء أن يتقوا الله في أولادهم فلذة كبدهم ويتجنبوا تشغيل أولادهم القصر حتى إن تطلب الأمر عمل الأب ليل نهار لتحصيل لقمة العيش وتفادي عمل أطفاله الصغار لأنه راعِ ومسؤول عن رعيته.