-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عمود الإسلام يُرفع من الحجاز إلى الشّام! (2)

سلطان بركاني
  • 786
  • 0
عمود الإسلام يُرفع من الحجاز إلى الشّام! (2)

لعلّ السؤال الذي يُطرح إزاء هذه الحال من الخذلان التي تبرَّر باسم “الدّين”، هو: ما هذا التديّن المشوّه الذي ابتليت به الأمّة في هذا الزّمان؛ تديّن يغري معتنقيه بإعلان الحرب على المسلمين ومسالمة الأعداء المحاربين، ويجرّئ السفهاء والأغيار على العلماء والدّعاة والمصلحين، لا بل على صفوة الأمّة رجالها المرابطين حوالي بيت المقدس، في مقابل السكوت عن المنكرات العظام، عن وهن الأمّة وذلّها واحتلال أقصاها ورهن خيراتها، وعن إشاعة الفساد في أقدس أراضيها!

هذا التديّن هو –في حقيقة أمره- نتاج مؤامرة تَواطأ عليها الغرب الاستعماريّ مع عملائه من العلمانيين في بلاد المسلمين؛ فعندما خرج الاستعمار من أرض الإسلام، استنْبت فيها عملاء له، أجسادهم في بلاد المسلمين وقلوبهم مع الكافرين. أمّا الأرض المقدّسة التي يدرك الاستعمار أنّ منها ينطلق بعث الأمّة في آخر الزّمان، فقد زرع فيها كيانا من أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا، كيانا يهوديا زوّده بالمال والسّلاح ليؤدّي دوره في منع ارتفاع راية الجهاد في الأرض المباركة. كما زرع في أرض الحجاز عملاء له يملكون الاستعداد الكامل للتآمر على أرض الإسراء! وأوكل إليهم مهمّة عزل ثاني القبلتين عن أولاهما، وهؤلاء بدورهم سخّروا علماء لـمّعوا أسماءهم ونشروا كتبهم ومحاضراتهم في العالم واصطنعوا لهم قبولا يمهّد للمهمّة التي توكل إليهم.. واستمرّ العمل على هذا المشروع الخطير عقودا من الزّمان، وبدأت الأمّة تفاجأ بعلماء ودعاة لا شغل لهم إلا السعي في الفتنة بين المسلمين ونشر الفرقة والبغضاء بينهم، وإلهائهم عمّا يحصل في فلسطين، حتى صدرت فتاوى توطّد للتّطبيع مع اليهود، ونُشرت كلمات وكتب ومقالات تحرّض شباب الأمّة على الطّعن في المرابطين بحجّة أنّهم مبتدعة وأنّهم أضرّ بالأمّة من اليهود والنصارى! وتدافع بكلّ شراسة عن المتعاونين مع الصهاينة والأمريكان والمطبّعين معهم.. ثمّ فوجئت الأمّة بهؤلاء الدّعاة يهوّنون من أمر الفساد الذي أخذ يتعاظم حوالي قبلة المسلمين، بحجّة أنّ ما يحصل هو مجرّد معاصٍ هي أقلّ خطورة من البدعة التي يقع فيها المرابطون في أرض الإسراء! وصار مَن يحظر الحفلات الماجنة أقلّ إثما وجرما ممّن يدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس في نظر هؤلاء الذين طمست بصائرهم ورهنوا عقولهم! وفوجئت الأمّة بأنّ كلمات بعض من يوصفون بأنّهم دعاة تتطابق تماما مع كلمات أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيونيّ!

هذا التديّن الذي يغري أتباعه بالدّفاع الضّمنيّ عن الانحلال والفساد، والطّعن في رجال الأمّة في أرض الرّباط والجهاد، يكتسب له أتباعا في ربوع الأمّة كلّها، لا لأنّه يقوم على البيّنة والدّليل، وإنّما لأنّه يبرّر لأتباعه الإخلاد إلى الأرض ويعفيهم من حمل همّ قضايا الأمّة الكبرى وإنكار المنكرات العظيمة، ويسوّغ لهم القعود عن جهاد الصهاينة والمحتلّين، ويبرّر لهم النّكوص عن مواجهة العلمانية المتمكّنة، لحساب مواجهات جانبية لا تجرّ على صاحبها حسابا ولا عتابا.. ويغريهم بأنّ محاربة شرك القبور ومواجهة بدع العبادات أهمّ من جهاد الصهاينة ومواجهة الصليبيين، والوقوف في وجه العلماء والدّعاة المخالفين أولى من الوقوف في وجه العلمانيين!

تديّن يجعل لجهاد العدوّ المحتلّ شروطا من الصّعب تحقّقها، لذلك يجد معتنقه شيئا من راحة  الضّمير إزاء ما يحصل من أهوال في الأرض المباركة؛ فالجهاد في فلسطين –عنده- غير مشروع لأنّ ولاة الأمر لم يأذنوا به، ولأنّه لم تتوفّر له العدّة الكافية، ثمّ إنّ القائمين به في غزّة إخوانٌ مبتدعون خرجوا على ولاة  الأمر في فلسطين ولم يستشيروا كبار العلماء، وما يجري على المدنيين من  بطش وتنكيل إنّما هو بسبب “حماس” المبتدعة!

هذا التدين المغشوش لا يكلّف صاحبه جهاد نفسه وتطهيرها من أمراضها، ولا يجعل من أولوياته تخليص قلبه من القسوة، إنما يشغله بإصلاح مظهره وسمته وتعلّم بعض السنن المتعلّقة بالعبادات.. لذلك لا تجد عند معتنقي هذا النّوع من التديّن كثير اهتمام بأعمال القلوب وأخلاق الإسلام وآدابه.. لا تجد عندهم كثير عناية بحرمة المال العامّ، ولا تحمّسا لمحاربة الرشوة والأثرة والمحاباة، إنّما تجد اهتمامهم ينصبّ حول مسائل جزئية من شاكلة: إسبال الثياب والتصوير والأخذ من اللحية والأناشيد وجلسة الاستراحة وتحية المسجد بعد العصر وإخراج زكاة الفطر نقدا والتكبير الجماعيّ في الأعياد ودرس الجمعة والموعظة بعد دفن الميّت… إلى آخر تلك المسائل التي تجعلهم يستأسدون في إنكار أخطاء “العوامّ” ويبالغون في تقريعهم والاستطالة عليهم، بينما يتقطّطون في إنكار منكرات “الخاصّة”. يشتبكون مع المسلمين ومع الأئمّة والمصلّين، وينكصون عن مواجهة العلمانيين! لذلك لا عجب أن تجد بين المتعاطفين مع هذا النّوع من التديّن المنافحين عنه، غارقين في أكل المال الحرام وفي المظالم خانعين للعلمانيين! والمفارقة أنّك تجد الواحد منهم يقول لك: المهمّ أنّي لا أقع في الشّرك ولا في البدع!

من باب العدل، نؤكّد على أنْ ليس التديّن القادم من أرض الحجاز كلّه من هذا النّوع الذي ذكرنا، لكنّه هو الأظهر والأشهر والأعلى صوتا وصيتا، كما أنّ “التديّن  المغشوش” برغم نكارته لم يصل إلى حدّ إقرار ما يحصل حوالي قبلة  المسلمين من فساد، لكنّ أدبياته تهوّن من أمر الفساد، وهو في النهاية أحد الأسباب التي تؤدّي إلى انتقال راية الإسلام من بلاد الحرمين إلى الأرض المقدّسة، مصداقا لما أخبر عنه النبيّ المصطفى –عليه الصّلاة والسّلام- حينما قال: “بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّام” (أحمد وغيره).

يُتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!