-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تتحوّل الألسن إلى أفاعٍ تلدغ!

سلطان بركاني
  • 2308
  • 0
عندما تتحوّل الألسن إلى أفاعٍ تلدغ!

اللّسان النّاطق، نعمة من أعظم نعم الله جلّ وعلا، لا يدرك قدرها إلا من حُرمها من عباد الله الذين بُلوا بفقد هذه النّعمة؛ فلا يستطيع الواحد منهم أن يُبين عمّا يختلج في صدره أو يأمرَ بمعروف أو ينهى عن منكر أو يسدي نصيحة إلا مع مشقّة وعناء، لكنّ كثيرا من المسلمين الذين حفظ الله لهم هذه النّعمة ليذكروه ويشكروه ويسخّروها فيما يصلح دينهم ودنياهم، أغراهم الشّيطان وأغرتهم أنفسهم بتسخيرها فيما يعود عليهم بالإثم والذمّ في الدّنيا، وبالحساب والعقاب في الآخرة.

أصبح أسهلَ شيء على كثير من المسلمين أن يستلّ الواحد منهم لسانه ليتحدّث عن مثالب وعيوب إخوانه ويفسد بينهم بالغيبة والنّميمة والوشاية الآثمة.. تجد المسلم يمرّ بأخيه المسلم في الصباح فيسلّم عليه، ثمّ يمرّ به في المساء فيفاجأ بأنّه أعرض عنه بوجهه، والسبب هو اللسان؛ لسان سعى بالنميمة بين هذا وذاك.. بل هناك ألسنة سعت بالنميمة بين الابن وأبيه، وبين الأخ وأخيه وبين الزّوج وزوجته.. ألسنة لا تخشى الله ولا الدار الآخرة.. ألسنة أغضبت الرحمن وأسعدت الشيطان، وألحقت بأصحابها الإثم والخسران.. مسلمون يخوضون في أعراض إخوانهم المسلمين والمسلمات بغير بينة ولا دليل، فتسمع الواحد منهم يقول: فلان يصلّي في المسجد وهو الذي يفعل كذا وكذا.. فلان يدعي أنّه متديّن ويفعل كذا وكذا.. فلان ينصح النّاس وابنته فيها كذا وكذا، وزوجة فلان لا تستحي.. فلان الذي يصلّي في الصفّ الأوّل كان فيما مضى يفعل ويفع|ل!… وهكذا.. بل قد طالت ألسنة بعض المستهترين أعراض العلماء والدعاة إلى الله والأئمّة واتهموهم في دينهم وأخلاقهم بما يختلقه بعض العلمانيين والإعلاميين اللاهثين خلف الإثارة والشّهرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. 

أصبحت أعرض المسلمين كلأ مباحا بينهم والله المستعان.. صار كثير من المسلمين يحملون في أجوافهم ثعابين لا يكاد يسلم من لدغها إلا القليل.. لدغوا الأطهار والأبرياء، ولدغوا العفيفات الطّاهرات، وسلم من ألسنتهم المجاهرون بالفسق والفجور الدّاعون إليه المحرّضون عليه.. خوّنوا الأمناء واتّهموهم بما ليس فيهم، ولجموا ألسنتهم عن الخونة الذين اتّخذوا الأمانة مغنما ونهبوا من الأموال ما تنوء به العصبة أولو القوة… لم يزعهم قول الله جلّ وعلا: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) (الأحزاب، 58)، ولم يردعهم قوله جلّ في علاه: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون)) (النّور، 4).. وربّما أنسى الشّيطان هؤلاء الوالغين في الأعراض أن لو كان شرع الله قائما لكان الواحد منهم يطالب بأربعة شهود عدول، فإن لم يأت بهم فإنّه يجلد ثمانين جلدة، وإن شهد ثلاثة منهم أنّهم رأوا مسلما أو مسلمة تقترف الفاحشة فإنّهم يطالبون بشاهد رابع فإن لم يأتوا به فإنّ الثلاثة يجلد كلّ واحد منهم ثمانين جلدة.. وربّما أنسى الشّيطان هؤلاء أيضا حديث المعراج الذي ورد فيه أنّ النبيّ– صلّى الله عليه وآله وسلّم- مرّ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال جبريل عليه السّلام: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.

اللّسان صغير جِرمه لكنّ جُرمه عظيم، وهو والفرج أكثر ما يدخل المسلمين النّار يوم القيامة.. لهذا ينبغي للمسلم الذي يخشى الله والدّار الآخرة أن يحذر لسانه أن يورده المهالك ويكبّ وجهه في النّار.. المسلم اللّبيب الفطن، ينشغل بعيوب نفسه عن عيوب إخوانه، ويسعى لإصلاح نفسه وإصلاح أسرته ويجتهد في نصح إخوانه والسّتر عليهم راجيا مغفرة ربّه وستره، فمن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، ومن فضح مسلما فضحه الله في الدنيا والآخرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!