عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة

لا أخفي صدمتي من حجم التعلق المرضي بالتوقعات لدى عدد كبير من مترشحي البكالوريا هذا الموسم. بصفتي خبيرة في التربية، أتابع عن كثب ما يحدث في الميدان، ولا يسعني إلا أن أقول إننا أمام ظاهرة مقلقة تُهدد فلسفة التعلّم نفسها؛ فقد تحوّل التلميذ من باحث عن المعرفة، إلى مقامر يراهن على سؤال أو محور، معتقدًا أن الحظ قد يحسم مستقبله.
هل أصبحت البكالوريا قُرعة؟ هل بات المترشح يعتقد أن النجاح يمكن أن يتحقق بحفظ موضوعين من أصل عشرة؟
للأسف، نعم.
لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض الدروس الخصوصية، تعمّق هذا الانحراف التربوي. يُروِّج بعض المدرِّسين فكرة “الدروس المتوقعة” وكأنها ضمانٌ للنجاح، ويتلقاها التلميذ كحقيقة مطلقة، فيُهمل غيرها. وهذا، في نظري، خيانة لجوهر التعلّم، وتفريغ للامتحان من قيمته الأكاديمية.
نعم، من الطبيعي أن يبحث التلميذ عن محاور ذات احتمال عالٍ، وأن يستعين ببعض التوقعات لتنظيم وقته، لكن أن يتحوّل ذلك إلى قاعدة وحيدة للتحضير، فهنا نكون أمام خطر تربوي حقيقي. وهو ما رأيناه هذا العام حين واجه عددٌ من التلاميذ أسئلة مختلفة تمامًا عمّا راهنوا عليه، فدخلوا في حالة من الذهول والارتباك، بل وانسحب بعضهم نفسياً من المعركة، قبل أن يكتبوا حتى أسماءهم على ورقة الإجابة.
نحن كمختصين في قطاع التربية، مسؤولون عن التصدي لهذه الثقافة. علينا أن نعيد بناء الخطاب الموجَّه للتلاميذ، نزرع فيهم الثقة في قدراتهم، ونرسّخ لديهم قناعة أن النجاح لا يُختَزل في توقع، بل يُبنى بعرق الجبين، وبالمثابرة، والتدرّب على التفكير لا الحفظ فقط.
كيف نواجه الظاهرة؟
لمعالجة هذا الخلل، لا بد من تدخُّل جماعي ومدروس، وأقترح ما يلي:
- إعادة تأهيل أساليب التقييم داخل القسم لتشجع التلميذ على الفهم والتحليل بدل الحفظ.
- تنظيم حملات تحسيسية قبل البكالوريا تقودها أطقم تربوية ونفسية، هدفها تصحيح المفاهيم الخاطئة حول “التوقعات” و”التسريبات”.
- مراقبة مضامين الدروس الخصوصية والتصدي للمتاجرة بالتوقعات على حساب التكوين الحقيقي.
- إدراج حصة “منهجية التحضير للامتحان” ضمن البرامج التكميلية في السنة النهائية، لتعليم التلاميذ كيف يخططون للمراجعة بذكاء من دون مغامرة.
- إشراك الأولياء في العملية التحضيرية، وإقناعهم بدورهم في توجيه أبنائهم نحو العمل المتوازن والفعّال.
رسالتي للمترشحين للسنوات المقبلة :
لا تجعلوا البكالوريا لعبة احتمالات؛ فالمعرفة ليست توقعًا، بل استيعابًا. والنجاح لا يُقاس بالحظ، بل بالجهد.