عندما تقضي المكاسب المادية والرغبة في الشهرة على المبادئ والأخلاق

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ فترة، موضة الترند، بحيث يقبل شباب ومراهقون على خوض بعض التحديات الغريبة، التي تتمثل في الأغلب في شكل رقصات ماجنة أو مغامرات خطيرة، الهدف منها زيادة المشاهدات، واكتساب الشهرة، لا يهم الثمن حتى وقد كلف البعض سمعتهم أو حياتهم.
تحديات الموت من أجل الشهرة
تداول ناشطون على تيك توك وأنستغرام مؤخرا، مقاطع فيديو يصورون فيها أنفسهم وهم يحاولون العطس دون إغلاق العينين، وهو ما يتنافى مع رد الفعل الطبيعي للجسم، ليعيد بعضهم النشر مجددا وهم يشتكون من التهابات وتمزق في الشعيرات الدموية داخل العين، وذلك بفعل مقاومة الرسالة التي يرسلها الجهاز العصبي لإغلاق العين من أجل حمايتها من الضرر. الغريب، بل المرعب في الأمر، أن التحديات ونتائجها الخطيرة قد اكتسحت المواقع منذ نحو شهرين، ولا يزال المتهورون يجربونها لغرض الشهرة وكسب المزيد من المتابعين أمثالهم.
بدافع الفراغ والروتين الممل، لا تزال فئة من المغامرين الذين يتصرفون بجهل بالغ، على تجربة تحديات مميتة على غرار تحدي “قطع النفس”، المنتشر على تيكتوك، منذ نهاية السنة الفارطة، الذي صنع نجوما وهميين للتفاهة، إذ يقوم صاحب الفيديو بالجلوس في غرفة مغلقة مظلمة، ويقطع أنفاسه بالكامل، حتى الشعور بما يسمى بسكرات الموت.. بالنسبة إلى هؤلاء، يستحق الأمر التجربة، حتى وإن كان خطيرا، لأنه يمنحهم شعورا استثنائيا ويدفع المزيد من الأدرينالين في أجسامهم، حتى إن بعضهم يعلق بأنه أصبح أقوى وأقل خوفا بعد التجربة.. أما الأخصائيون، فلهم جواب آخر، إذ أثبتت دراسات علمية أكيدة أن الدماغ هو أكثر أعضاء الجسم استهلاكا للأكسجين، وانقطاع هذا الأخير لمدة طويلة قد يعطل عمل العديد من وظائف الجسم ويقتل خلاياه، ويؤثر بشكل مباشر وسريع على الذاكرة.
تشويه صورة الأزواج وإهانة الأطفال.. تحديات وقحة تجلب الشهرة
يعلم رواد تيك توك وأنستغرام أن تحقيق الأرباح من حساباتهم لا يتأتى إلا بجعلها مشهورة ومنتشرة، ما يمكنهم في ما بعد من التسويق عبرها، أو حتى جني المال من المسابقات المدفوعة أو المشاهدات المليونية. هذا الأمر، بات يدفع فئة واسعة إلى بيع بعض قيمها ومبادئها، وحتى كرامتها، مقابل المزيد من المتابعين والمعجبين. يحدث هذا، من خلال تحديات تعتبر مقززة أحيانا، وغير أخلاقية أحانا أخرى. والأسوأ، أنها تنتشر أكثر في مجتمعات محافظة، حيث تقوم سيدات متزوجات بعمل مقالب وضيعة لأزواجهن أمام الكاميرا، ليتفرج عليها الملايين، بينما تستعمل أمهات غير عاقلات أبناءهن الرضع من أجل الترويج لحساباتهن.. وذلك، من خلال نشر مقاطع ترهيب وتخويف أو إذلال وإهانة لهم.. فهل يستمتع هؤلاء بالمال والشراكات والشهرة التي يجنونها فعلا، أم إن التعليقات والدعاء ضدهم ونعتهم بمختلف مواصفات اللا-إنسانية، قد تؤرق ضميرهم قليلا.
تحديات الإنترنت خطر يهدد الحياة والمستقبل
لابد من أن خبرتهم القليلة في الحياة هي ما يجعل المهووسين بالإنترنت والشهرة يقبلون على مثل تلك التحديات، وجهلهم بعواقبها المستقبلية عادة ما يستمر في تشجيعهم على المواصلة. تقول الأخصائية النفسية والخبيرة الاجتماعية، مريم بركان، إن تورط البعض من الشباب والمراهقين خاصة من الإناث في متاهة التحديات التافهة والخطيرة التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، جعل منهم عبيدا لها، بحيث تطالبهم شهرتهم واستمرار مداخيلهم المادية، بمواكبة أي تحدٍّ جديد، مهما كان خطيرا أو منافيا للقيم. وبغض النظر عن خضوعهم للرقابة من عدمه، يجدون أنفسهم معرضين لإصابات خطيرة أو حتى للموت، كما تصلنا الأخبار اليومية، فضلا عن تهديد مستقبلهم الشخصي والعملي، بسب اهتزاز صورتهم الاجتماعية، وتعرض سمعتهم للتلطيخ، من خلال نشر مقاطع العري والرقص الماجن أحيانا.