عندما يُقرأ القرآن

ما حدث خلال شهر رمضان المنقضي، وفي يومي العيد المبارك، من بث لصلاة التراويح والترتيل العطر، على مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف الجزائريين والجزائريات، هو علامة خير في التواصل ذي الطابع الاجتماعي الراقي، الذي أنسانا، ضجر هذه “الوسائط” التي لم نر فيها أي تواصل أو اجتماع على مدار السنوات الأخيرة، حتى صرنا ننعتها بالطاعون والفيروس.
وتمكن الجزائريون خلال شهر رمضان من تقديم القارئ ابن مدينة المسيلة عبد العزيز سحيم في أجمل صورة، جعلت تلاوته تسافر إلى كل بلاد العالم، وتم تنصيبه ملكا على قلوب عشاق كتاب الله، وتحوّلت مختلف المنصات إلى سَماع ونقاش إنساني واسلامي، أبان بأن الناس إذا أرادت للدنيا خيرا، استطاعت، بعد أن عشنا نقمة مواقع التواصل الاجتماعي، التي كادت أن تنسف العلاقة بين الإنسان ونفسه، فما بالك ما بينه وبين الآخر.
في الليالي الأخيرة من صلاة التراويح في مسجد النصر بالمسيلة، عجز الجامع عن استيعاب جيوش المصلين القادمين من كل أنحاء الوطن، الذين جرّتهم قراءة القرآن جرّا، ومنهم من نقل فطوره الخفيف إلى المسجد، من أجل أن يبقى هناك بعد صلاة المغرب، حتى لا يُضيّع مكانته في الصف الأول خلف هذا القارئ المتمكن، وقيل بأن مجموعة من المهاجرين قدموا من ليون وباريس وليل وبروكسل، خصيصا، من أجل أن يعيشوا قمة الترتيل والخشوع، وكنا في سنوات ماضية نحتار عندما نرى جحافل عشاق الكرة يحجّون، إلى ملعب تشاكر بالبليدة، فيأخذون فطورهم معهم أو يبيتون أمام أبواب الملعب من أجل تذكرة دخول أو مقعد أو قطعة إسمنت لمتابعة “محرز وسليماني”.
وبقدر ما تبادلوا القراءة العذبة للابن عبد العزيز سحيم في المسيلة وفي إمارة عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة التي أمضى فيها عيد الفطر، بقدر ما نبهوا أو تمنوا بأن يبقى بينهم، حتى لا يغادر أرض الوطن، كما فعل شقيقه الأكبر، المتمكن من مختلف القراءات، والمتواجد حاليا في الدوحة، حيث امتزجت تعليقاتهم بالأسف والحسرة مع الثناء والتبريكات وتثمين تكريمه من طرف والي المسيلة.
فرحة الجزائريين بالشاب عبد العزيز سحيم، بالقول والفعل، هو دليل على أنهم، أينما وجدوا متفوقا أو مبدعا أو مجتهدا إلا ومنحوه الدعم وأمدّوه بالثناء الذي يستحقه، ووقفوا إلى جابنه وساندوه، ولا يقتصر الأمر عند الانتصارات والإبداعات الرياضية أو الفنية، وإنما هم كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضا، في المجالات الفكرية والاقتصادية والدينية، يرون في المبدع أنفسهم وفي أنفسهم طاقة إيجابية إما متمكنة أو داعمة للمتمكنين.
يقولون في عالم الكرة بأن جمهور اللعبة الشعبية هو اللاعب رقم 12 في معادلة الانتصارات، وواضح بأن الجزائريين قد كانوا سندا بكل الأرقام المشجعة، من 2 إلى 42 مليون للقارئ عبد العزيز سحيم، ولغيره من المتفوقين في كل المجالات العلمية، التي تشعرهم بالعزة والكرامة.