-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عودة إلى رمضان وإشكالية الدراما التاريخية أو الدينية

حسان زهار
  • 347
  • 0
عودة إلى رمضان وإشكالية الدراما التاريخية أو الدينية
ح.م

مع حلول شهر رمضان المعظم من كل عام، يعود الحديث مجددا عن غياب الدراما التاريخية أو الدينية ليطرح، لكنه في السنوات الأخيرة وخاصة منذ عام 2010 أو 2011 عقب ثورات الربيع العربي، بات طرح هذا الموضوع أكثر حدة وإلحاحا، لاعتبارات كثيرة، لعل من أهمها أن رمضان من دون هذه الأعمال الراقية والهادفة يفقد الكثير من طعمه الخاص، لصالح سطوة نوع معين من الكاميرا الخفية والفوازير والدراما الساذجة.

ولعل ما يعيد هذا الحديث بقوة مجددا هذا العام، هو الخبر الذي نزل كالصاعقة على محبي هذا النوع من الأعمال بخصوص توقيف مسلسل “محمد الفاتح” في تركيا في حلقته السادسة، على الرغم من جودة الإخراج والسيناريو، بسبب عدم نجاحه في جلب أكبر عدد من المشاهدين، بما يذكر بالنجاح الخافت لمسلسل “السلطانة قسم” والموسم الثاني من “أنت وطني”.. لكن يظل العزاء الأكبر لمحبي هذا النوع من الأعمال في استمرار تربع مسلسل قيامة “أرطغرل” على عرش المشاهدة، ما يعطي أملا كبيرا في استمرار هذا النوع من الأعمال في مرافقة رمضاناتنا وحتى في باقي الشهور الأخرى، رغم طغيان الدراما الاستهلاكية.

غير أن ذلك كله لم يكن على ما يبدو مانعا حقيقيا في العقود الماضية، حيث لم يكن يمر رمضان واحد من دون انتاج عمل تاريخي أو ديني ضخم، يواصل ما بدأه فيلم الرسالة الكبير الذي جمع أكثر من 100 مليون دولار في قاعات العرض قبل 40 سنة، وقد شهدنا واستمتعنا جميعنا بأعمال ما زالت راسخة في الأذهان مثل مسلسلات “أبو حنيفة النعمان” قبل عشرين سنة، عصر الأئمة، رايات الحق، صقر قريش، ملوك الطوائف، ربيع قرطبة، وغيرها، كما أننا وهذا لحسن حظنا أيضا، نستعد لمشاهدة مسلسل “هارون الرشيد” العمل الكبير الذي سيعوض النقص في هذا المجال خلال رمضان هذا العام.

ولعل ما يفسر قلة الإنتاج التاريخي أو الديني، حتى في شهر روحاني بامتياز كرمضان، زيادة على السبب السياسي الذي نتج عقب ثورات الربيع العربي، واعتبار الكثير من النظم العربية أن هذا النوع من السينما يساهم في “أسلمة” المجتمعات وفي التطرف والإرهاب كما يتصورون، هو وجود عوامل موضوعية كثيرة تقف عوائق في طريق هذا الفن، يمكن ايجازها في قلة التمويل وأحيانا انعدامه، لارتباط جل الأعمال الرمضانية تحديدا بالمعلنين الذين يعتقدون أن هذا النوع من الأعمال الراقية لا يتماشى وعقلية الجيل الجديد من المشاهدين، كما أن الأمر يتطلب دائما هنا ميزانيات ضخمة، بسبب الديكورات الكثيرة والملابس باهظة الثمن وطريقة التصوير، وكذا قلة الممثلين الذين يتقنون الحديث باللغة العربية، خاصة في مخارج الحروف، وبالطبع مع قلة كتاب السيناريو المتخصصين وقلة المخرجين القادرين على احتواء مثل هذه الأعمال التي تتطلب مجهودات جبارة.

لكن ما زاد الطين بلة هذه السنة، زيادة عن كل ما قلناه، أن الدين المسيس دخل حلبة تحريم المسلسلات الدينية!! وهي معادلة طريفة حقا، حيث بدأ توظيف رجل الدين ضمن سياقات المرحلة الحالية، لمهاجمة المسلسلات الدينية والسكوت عن مسلسلات الحب والغرام، ودراما العري والبلطجة، على غرار الفتوى المثيرة للجدل التي أطلقها رجل الدين السلفي المصري برهامي بتحريم مشاهدة المسلسلات التركية التاريخية، وخاصة مسلسل أرطغرل، بدعوى عجيبة هي «تعظيم القومية التركية؛ تمهيدًا لإظهارها كقيادةٍ للعالم الإسلامي»، الأمر الذي يضيف مثل هذه العوائق البليدة، إلى فتاوى مشابهة كانت تصدر من حين لآخر من بعض المؤسسات الدينية الرسمية السنية بتحريم تجسيد شخصيات تاريخية ودينية، بينما تجاوزت المرجعية الشيعية هذا العائق وجسدت شخصيات نبوية عديدة على غرار مسلسل يوسف عليه السلام وما لقيه في وقته من نجاح كبير.

أتصور أن هذه المشكلات الكبيرة التي كانت وازدادت مؤخرا في وجه انجاز هذا النوع من الانتاج الدرامي والسينمائي، ستتواصل لسنوات أخرى قادمة، لكنها لن تستمر طويلا، لأن الجمهور الذواق الذي يبحث عن الفن الراقي بدأ يعلن عن نفسه بوضوح، وسيأتي فيه اليوم الذي تفرض الشعوب العربية والإسلامية رغم سطوة الفن المبتذل منطقها في استعادة هذا الميراث العظيم، ولو في أيام الله المباركة في رمضان الكريم، وذلك أضعف الإيمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!