عيد العمل في يوم العمال

عيد العمال لهذه السنة، قد يكون يحمل قيمة مضافة على خطى تقييم سوق العمل وتقويمه، وإعطاء العمل والتشغيل والاستثمار والتوظيف والتكوين من أجل ترشيد سوق العمل، جنبا إلى جنب مع رفع قيمة العمل وأجر وراتب العمال تزامنا مع ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية وللعمال وللأسر، خاصة تلك المعوزة.
نحن ندرك اليوم تماما حجم التحدي عندما نتحدث عن العمال بلا قيمة للعمل، وندشن ونسمي ونحيّي ونحتفل بالقوة العاملة والكادحة، دون أن نكون في مستوى تحقيق هذه الطبقة لحقوقها كطبقة، بكل شرائحها اليدوية والفكرية والتقنية والإبداعية والتعليمية والخدمية، بكل مستوياتهم من أدنى عمل قاعدي فكري أو خدماتي أو تقني يدوي إلى أعلى راتب ومرتب ورتبة في سلم مهنة العمل التي صارت اليوم تتجاوز الإطار “الاشتراكي” السابق الذي كان يتغنى بالكادحين، من دون اعتبار بقية العمال والموظفين والمتعلمين العاملين في القطاعات الوظيفة العمومية والخدمية والإدارية، من ضمن “الشغيلة”، بل كانوا يعتبرون في الفكر اليساري “بورجوازية صغيرة” لا يُعول عليها في ترسيخ وتطبيق الاشتراكية ومشروع ما يسمى في أدبياتها السياسية والإيديولوجية بـ”دكتاتورية البروليتاريا”.
العامل اليوم، عالميا، يكاد يكون في نفس الخانة، مع تقارب المستويات، لكن دون الوصول إلى الحد الذي تنمحي فيه الفوارق إلى حد بعيد: فالفرق والتميز شرط وضرورة من أجل تحفيز العمال على التطور والعمل من أجل الارتقاء إلى الأعلى وظيفيا، طبقا للقاعدة الاشتراكية التي لا تزال واقعية رغم انهيار منظومة الاشتراكية في العالم: كل حسب عمله ولكل حسب جهده.
عيد العمال، يربطه البعض بـ”العمل” كفعل، فيما يربطه البعض بـ”العمال” كفاعل، والصحيح تاريخيا، أنه عيد للعمال، ولكن الأصح عمليا، هو “عيد العمل”، حتى أننا نجد في بريطانيا حزبا يساريا يسمى بـ”حزب العمل”، رغم أن الإعلام العربي يذكره على هذا النحو “حزب العمال البريطاني”. حزب العمل “Labor party” الذي يفيد أنه خرج من العباءة العمالية في اليسار الشيوعي، ليدخل نادي “العمل” الذي هو ناد يشدد على العمل تحت أي يافطة إيديولوجية. فالعمل، هو ما يجب أن يحتفل به ويقيم ويقدس أيضا، باعتباره النشاط الأول في التنمية والتقدم، مهما كان شكل هذا العمل.
التطور الذي حدث منذ الثورة الرأسمالية، الانتقال من “المكننة” في القرن الـ18، إلى “الأتمتة” بداية من القرن الـ19، إلى “التكنولوجيا” مع القرن العشرين، فـ”الذكاء الاصطناعي” بداية من القرن 21، جعل من العالم اليوم لا يفرق بين أشكال العمل إلا من حيث الشكل، فالتكامل والاندماج، هو أساس التطور، واليد العاملة لم تعد تعني كما كانت تعنيه العبارة في السابق، فاليد العملة صارت اليوم العقل العامل، حتى في أعلى مهن البرمجيات في الذكاء الصناعي، كون أن الإنسان بحواسه وإدراكه وعقله الإبداعي، صار مزيجا بين كل أشكال العمل: اليدوي منه والفكري والعقلي والإبداعي، ولا حاجة بعد اليوم لأن نتحدث عن عمل يدوي وآخر فكري، كل ما يجب أن نفعله هو رفع الكفاءات والمهارات عبر التكوين والرسكلة ليصيح البناء فنانا ومهندسا مفكرا على بساطة عمله، وليصبح عامل النظافة يشغل آلة تستغل بالذكاء الاصطناعي وليس بحاجة في نهاية المطاف إلى العمل اليدوي الشاق المذل.
مع ذلك، ومهما تطورت التكنولوجيا والتعليم والتكوين، وانخفضت الفوارق وصار العمل أريح، لن يزول العمل اليدوي، باعتبار اليدين وسائل ميكانيكية بيولوجية لا غنى عنها.
عيد العمال اليوم هو عيد عمل المستقبل، إن نحن بدأنا نفكر من اليوم فيه.. اليوم قبل غد.