-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عيسى.. جُنْدُ بن غبريط في المعركة الخطإ!

عيسى.. جُنْدُ بن غبريط في المعركة الخطإ!

لقد كان مفهومًا أن يتداعى أنصارُ وزيرة التربية الوطنيّة، من كل صوب سياسي وحدب إعلامي، ليُظاهروها في معركتها ضدّ إقامة الصلاة بالمدارس، وقد آزروها في كل خياراتها “الإصلاحيّة” منذ تقلدها شؤون القطاع، مع أنّهم من أشدّ عرّابي القطيعة والمعارضة الجذريّة للنظام، لكن بمجرّد أن تبدو لهم بارقة أمل في تحقيق أمانيّهم الإيديولوجيّة، حتى يعضّوا عليها بالنواجذ، وما اصطفافهم الجماعي، على اختلاف مواقعهم، خلف توجّهات الوزيرة نورية بن غبريط رمعون إلاّ دليلٌ قاطع على مراميهم المكبوتة في اختطاف المدرسة الجزائرية من أهلها، بينما يرفعون كذبًا وتدليسًا شعار “لا للأدْلَجة”، حتّى يتسنّى لهم تمويه حرّاس الهويّة الوطنية، باسم تطوير المناهج الدراسيّة وتحسين نوعية التعليم.
أمّا الغريب الذي حار في أمره أولو الألباب فهو ركوب وزير الشؤون الدينيّة موجة الهجوم على المدرسة الجزائريّة بخطاب صادم، حاشرًا بذلك دائرته الوزاريّة في أتون المعركة الخطإ، لأنّ الموقع الأصلي لمحمد عيسى هو أن يكون في مقدمة الدفاع عن العلوم الإسلامية بالتعليم الجزائري، وإن وقفت مصالحُه على بعض النقائص الشرعيّة والعلميّة أو المنهجيّة، فيمكن استدراكُها بلا حرج من المختصّين، غير أنّ تلك الهفوات الهيّنة، على افتراض وجودها في كل جهد بشري، لا تسوّغ البتّة إصدار الحكم المطلق بكون المدرسة الوطنية “تنتج تكفيريين وإقصائيّين وتمييزيّين”، بتعبير الوزير.
إنّ مثل هذا الكلام الخطير طعنٌ قاتل في مؤسسات الدولة الجزائرية وإطاراتها قبل كل شيء، لأنّ البرامج المقرّرة في مدارسها لم تكن يومًا مفروضة من طرف فئة أو تيّار أو جماعة تستفرد بمصيرها، بل هي نتاج عمل تخصّصي وتشاركيّ، حظي بتزكية اللجان المخوَّلة بالمراجعة والرقابة العلميّة، وعلى رأسها هيئات وزارة الشؤون الدينيّة نفسها، إلا إذا كان الوزير السابق غلام الله بو عبد الله هو المستهدف مباشرة بتلك الاتهامات القاسية؟
ربّما يكون سقوط الوزير عيسى في النيل من مكانة العلوم الإسلاميّة تبادلًا للأدوار الوزاريّة ضمن مبدإ التضامن الحكومي، بعدما وجد الرجل نفسه في حرج شديد من ثورة خطباء الجمعة الأخيرة ضدّ التحرّش بالصلاة، فزايد عليها بنقده للمدرسة التي صارت في منظوره وكْرًا لتخريج التكفيريين، ما يقتضي ضمنيّا تجفيف منابع التطرّف باتخاذ كافة الإجراءات و”الإصلاحات”، وأدناها منع الصلاة في المدارس، أمّا أقصاها فقد يكون التخلّص نهائيّا من مادة العلوم الإسلاميّة، مثلما تفكّر وزارة التربية منذ فترة لاستبدالها بتدريس الفلسفة والأديان!
نحن لا نتهم الوزير عيسى في نيّته تجاه العلوم الإسلاميّة، وهو أحد رجالاتها وعلمائها، فربّما قال ما قال بحسن سريرة ومن منطلق الغيرة عليها، بيد أنّ السياق الزماني والخطابي يقدّم ذريعة لكلّ المتربّصين بها تحت عناوين الحداثة والعولمة والإرهاب الدولي…
كما أنّ زلّة الوزير، وهذا من حسن ظنّنا به، ستشكّل في تقديرنا حرجًا بالغا كذلك للحكومة عشيّة الاستحقاق الرئاسي المقبل، إذ تفتح الباب للتأويل والتهويل، فضلاً عن تهييج الرأي العام ضدّها، وهي التي لم تلملم عثرة بن غبريط بعدُ، بل قد يجد البعض خيطًا ولو رفيعًا للربط بين خرجة عيسى الاستفزازية وملامح المرحلة القادمة، سواء كان ذلك ضمن أجندة وطنيّة أم خارجيّة، لأنّ إصلاح مناهج التعليم في الوطن العربي أصبح بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مطلبًا أمريكيّا في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • algérien

    اللهم أصلح بطانة ولات أمورنا وأرهم الحق حقا وارزقهم إتباعه و أرهم الباطل باطلا وأرزقهم إجتنابه.

  • الطيب

    الممارسة و التعبير و الموقف عناصر كفيلة بكشف الشخصية مع مرور الزمن لذلك قال أرسطو لشخص لبس ثوبًا جديدًا و بدأ يتبختر أمامه : تكلم يا هذا لكي أراك ..!!