غزة.. بدر.. فتح مكة ومليارَا مسلم

تصادَف- حتى لا نقول تقرر- العدوان النازي الإرهابي، في حلقته الثانية، وليست الأخيرة، على غزة آخر قلاع العزة، مع ذكريات إسلامية مقدسة من غزوة بدر الكبرى، إلى فتح مكة المجيد، وكلها نفحات أساس بناء الدولة الإسلامية الفاضلة، خلَّدها القرآن الكريم، فكانت الصورة مختلفة تماما، بين زمن العزة والكرامة والإقدام، وزمن الذل والخذلان والانبطاح.
ما يقوم به نتانياهو من إصرار على إبادة كل الفلسطينيين والشرفاء في فلسطين والعالم، ومسح غزة من الوجود، ما كان ليكون لولا هذا اللاشيء المسمى مجازا “الأمة الإسلامية” الذي اكتشف أنه مجرد سراب.
يقولون إنه في زمن تمكُّن المغول من بلاد المسلمين، بلغ الهوان درجة أن لحّن التتار ترجّي المسلمين وهم في مخابئهم: “بالله يا مغولي لا تقتلني” وجعلوه نشيدا يرفعون به المعنويات، ولا نظن أن حالنا أحسن من تلك الحال، ولا نظن أن بطش نتانياهو وثقته بنفسه، أقل من بطش جنغيز خان وثقته بنفسه.
ولأن الحلقة الأولى من العدوان، الذي فاقت مدته الزمنية 15 شهرا، كانت كلها دمارا ودما ودموعا مع استشهاد الكثير من الأبطال من هنية إلى الضيف مرورا بنصر الله والسنوار، فإن الحلقة الثانية، تبدو أكثر قتامة بعد أن سكت حتى المندّدون عن الكلام ودعوات التضرُّع لله.
وإذا كان أئمة المساجد في عز الشهر الفضيل الذي دخلنا العشرة الأواخر منه، قد قدّموا لنا نفحات من غزوة بدر الكبرى إذ كان المسلمون قلة وانتصروا، وفتح مكة حينما حقق صبر المسلمين وإصرارهم عودتهم إلى ديارهم، وقالوا جميعا إن العودة إلى الحدثين إنما هي من باب تذكير المسلمين، لأن الذكرى تنفعهم، فإن الكلام كان فعلا من فراغ وفي فراغ، ومناداة لمن لا حياة له من هذه الأمة، التي يفتخر بعضنا بتعدادها، الذي قارب مليارين، ولا يتساءلون عن فائدة واحدة من هذه الكثرة؟
مارس الصهاينة ومن دعّمهم من غرب وعُرب كل أنواع البطش والإجرام التي عرفتها الإنسانية واخترعوا أخرى، ليس من أجل كسر شوكة حركة المقاومة الإسلامية، وإنما من أجل إبادة أهل فلسطين، ولم يمارس هذا النفس “الملياري”، أي خصلة من خصال الأوَّلين، فكانت النتيجة ما نشاهده في الساعات الأخيرة من تجبُّر صهيوني، لم يعد يجد حرجا في أن يقدّم مخططاته علنا ثم يباشر في تنفيذها، إدراكا منه أن العرب لا يقرؤون ولا يتحركون، وإذا قرؤوا لا يطبّقون، كما قالها زعيم الصهيونية بن غوريون ذات حرب إسرائيلية عربية كلاسيكية سابقة.
أخجلتِنا غزة وأنت تستحين من أن تطلبي منّا نجدتك ولو بالدّعاء..أخجلتِنا وأنت ترفضين لومنا ونحن نقف في الصف المحايد في معركة لم تخطئي قطّ عندما سمّيتِها “طوفان الأقصى”.
الآن وقد سقطت كل الأقنعة عن الأقنعة، من حقك أن تحاسبينا، فقد ذهبت وجيشك لتقاتلا، وبقينا نحن، وأصررنا على البقاء، هاهنا قاعدين.