غزة.. جولة ثانية من الحرب !

كما كان متوقعا، وكعادة اليهود عبر التاريخ في نقض العهود والمواثيق، نكث الاحتلال الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين، واستأنف الحرب على غزة، وشنّ عليها فجر الثلاثاء غارات وحشية أدّت إلى سقوط قرابة الألف فلسطيني بين شهيد وجريح في يوم واحد، معظمهم أطفال ونساء.
استئناف الحرب كان متوقّعا منذ أن هدّد الرئيس الأمريكي المتصهين دونالد ترامب، قبل أسابيع، حركة “حماس” بإطلاق سراح ستة أسرى صهاينة أو فتح باب “الجحيم” على غزة، وكذا إطلاقه يوم 25 جانفي الماضي خطة تهجير سكانها وتحويلها إلى “ريفييرا” الشرق الأوسط.. اليوم يشرع الاحتلال في تنفيذ وعيد ترامب ويفتح باب الجحيم مجدّدا على غزة، لإكمال تدمير ما بقي من بنيتها التحتية التي سلمت طيلة 15 شهرا من الحرب، وكذا الشروع في محاولة ثانية لتهجير سكانها إلى سيناء المصرية، والبداية بترحيل سكان الشمال إلى الجنوب مرة أخرى، وبجمعهم في محتشدات مؤقتة بذريعة فصلهم عن المقاومة، في صور تذكّرنا بما فعلته قوات الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية الجزائرية؛ إذ كانت تجمع آلاف السكان في محتشدات أمنية بهدف فصلهم عن المجاهدين ومن ثمّة، تسهيل القضاء عليهم، لكنّها فشلت في مخططها واستمرّ دعم الجزائريين لثوارهم إلى غاية تحقيق النصر وطرد الاحتلال الفرنسي في 5 جويلية 1962، وكذلك ستفشل خطة الاحتلال الصهيوني لفصل المقاومة الفلسطينية عن حاضنتها الشعبية التي أبدت تمسّكها الشديد بها طيلة 15 شهرا من حرب الإبادة والتهجير والتجويع، ولن تفلح فيما عجزت عنه سابقا.
وباستئناف الجولة الثانية من الحرب، لم يعد أمام المقاومة إلا الصمود كما فعلت خلال الجولة الأولى، وتوجيه ضربات مؤلمة لجنود الاحتلال في محور صلاح الدين والمنطقة العازلة وغيرها، وفتح أبواب الجحيم عليهم أيضا، وإفشال تحقيق أهداف الحرب كما فعلت من قبل.. ونحسب أنّ المقاومة قد اغتنمت فرصة توقّف الجولة الأولى من الحرب يوم 19 جانفي 2025 لإعادة تنظيم صفوفها، وتجنيد آلاف المقاتلين، وإعادة تأهيل الأنفاق، والاستعداد جيّدا للجولة الثانية، التي كانت المؤشرات جميعا تدلّ على قرب انفجارها كما أسلفنا؛ فالعدو كان يريد استعادة أسراه ثم مواصلة الحرب بلا قيود هذه المرة، لإرضاء اليمين المتطرّف ومنع حكومة مجرمي الحرب من الانهيار، وكان من الواضح تماما أنّ الاحتلال كان يتهرّب من التفاوض على كيفية تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، ويريد اتفاقا جديدا يركّز فقط على استعادة أسراه من دون أي التزام بوقف الحرب ومسألة إعادة الإعمار، ولتحقيق هذا الهدف، أغلق المعابر كلّها وأوقف دخول المساعدات الدولية الأساسية إلى سكان غزة منذ 2 مارس الماضي للضغط على “حماس”.. لذلك، نعتقد أنّ المقاومة قد أعادت رصّ صفوفها طيلة الشهرين الماضيين من الهدنة، استعدادا لهذه الجولة الجديدة التي قد تطول وتكون أكثر قسوة وإجراما ونازية من الجولة الماضية.
فضلا عن المقاومة، فإنّ سكان غزة مدعوّون بدورهم إلى المزيد من الصّمود فوق أرضهم والاكتفاء بالنزوح الداخلي لإفشال مخطط ترامب لتهجيرهم إلى الخارج، والذي شرع الصهاينة في تنفيذه الآن، لا شكّ أنّ الجولة الأولى من حرب الإبادة والتدمير والتجويع قد أنهكتهم، وستنهكهم الجولة الثانية أكثر، لكنّ ليس هناك بديل سوى الصمود وإفشال هذا المخطط الجهنّمي الذي يريد من خلاله ترامب السطو على أرضهم وتحويلها إلى منتجع سياحي تملأه المواخير وبيوت البغاء والشواذ، كما كشف فيديو قصير مصوّر بالذكاء الاصطناعي للرئيس الأمريكي منذ أسابيع قليلة.
ومرّة أخرى، يؤسفنا أن تجنّد أمريكا قوّتها العسكرية الجبّارة لدعم الاحتلال في حربه الإجرامية الفاشية ضدّ الفلسطينيين، ويقف الغرب كلّه وراءه، في حين يواصل حكّام الدول العربية والإسلامية صمت القبور إزاء ما يحدث من مجازر وتجويع منهجي بحقّهم، لا أحد تحرّك سوى الحوثيين الذين يهاجمون حاملة الطائرات الأمريكية “يو آس آس ترومان” وسفنا حربية أخرى بلا هوادة، وبلا خوف أو تردّد، وأجبروها على الهروب والابتعاد 1300 كلم عن سواحل اليمن، فمتى تأخذون منهم العبرة وتتحرّكوا وتجتمعوا وتقرّروا إشهار سلاح النفط على الأقل، إلى غاية وقف هذه الحرب الفاشية ضدّ الفلسطينيين، وفتح المعابر، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إليهم؟ لقد أكّد الحوثيون الشّرفاء أنّ المسألة لا تتعلّق بأسلحة متطوّرة وترسانة عسكرية هائلة بقدر ما تتعلّق بالإرادة والجرأة والإيمان بعدالة القضية وحتمية النصر. ألا تستطيعون أن تتخذوا، مثلهم، موقفا شجاعا يواجه هذا الجبروت والطغيان الأمريكي والصهيوني ويحفظ أرواح إخوانكم وكرامتكم وماء وجوهكم؟