غضب فرنسي وترحيب أنجلوسكسوني بالانتقال اللغوي في الجزائر

قادت السياسة اللغوية التي تبنتها الجزائر في قطاع التربية، إلى غضب فرنسي وترحيب أنجلوسكسوني، جسده التعاطي الإعلامي مع هذا التطور الذي انتظره الجزائريون منذ الاستقلال، ولم يبدأ في التحقق إلا مع بداية العقد السابع من طرد الاحتلال الفرنسي من الجزائر.
الفرنسيون كانوا السباقين إلى التعبير عن انزعاجهم من التوجه اللغوي للدولة الجزائرية في قطاع التربية، وكانت صحيفة “لوفيغارو” المعروفة بكونها المنبر الأول للتيار اليميني التقليدي الذي ذاب في اليمين المتطرف قد تحدثت عن شروع الجزائر في ما اعتبرته حملة هدفها القضاء على اللغة الفرنسية في المدارس الجزائرية بداية العام الدراسي الجديد.
وتوقفت صحف فرنسية أخرى، على غرار “لوموند”، مطولا عند وقف “تدريس البرامج المدرسية الفرنسية في المدارس الخاصة في الجزائر”، وهو التطور الذي اعتبرته الصحيفة اليمينية ضربة موجعة للنفوذ الفرنسي وللثقافة الفرنسية و”للفكر الفرانكفوني عامة”، في مستعمرتها السابقة، التي كانت تعتبر من أكثر الدول الناطقة باللغة الفرنسية بعد فرنسا ذاتها.
وبات بحكم القرارات الجديدة من الصعوبة بمكان، على الطلاب الجزائريين، وفق الصحيفة، الالتحاق بالجامعات الجزائرية للحاصلين على البكالوريا من الثانوية العامة الفرنسية بالجزائر (ألكسندر دوما)، فيما بدا أنها معاملة بالمثل مع القوانين الفرنسية التي تسمح بتدريس المناهج التربوية الجزائرية على التراب الفرنسي.
المسألة أخذت أبعادا أخرى على مستوى الإعلام الفرنسي الثقيل، فقد تحول القرار الجزائري إلى مادة دسمة للتداول في “بلاطوهات” القنوات الفرنسية، ومنها قناة “آل سي إي” الإخبارية، التي لم تتخلف بدورها عن مرافقة هذا السجال، مغلفة إياه باعتبارات إيديولوجية، في موقف حاول أصحابه إخراجه من سياقه السيادي المكفول لدولة مستقلة قرارها بيدها.
وقالت القناة على لسان أحد الضيوف، إن السلطات الجزائرية وبعدما عممت التعريب في المؤسسات التربوية العامة، انتقلت إلى فرض المناهج التربوية الجزائرية على المدارس الخاصة، التي لا تتعدى نسبتها 05 بالمائة فقط من مجموع المؤسسات التربوية في البلاد، متحدثة عن اختفاء نظام البرنامج التربوي المزدوج، أي الجزائري والفرنسي، لكنها اعترفت بأن القرار يأتي في إطار منطق المعاملة بالمثل، ومن شأن القفز عليه أن يعرض مدير المؤسسة التربوية الخاصة لقانون العقوبات.
الفرنسيون لم يهضموا زحف اللغة الإنجليزية على حساب اللغة الفرنسية في المستعمرة السابقة، وتوقفوا عند عبارة قالها الرئيس عبد المجيد تبون “إذا كانت اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب، فإن اللغة الإنجليزية هي لغة العالم اليوم”، وتساءلت محللة القناة ذاتها، عن عدم الاعتماد على الفرنسية في الجزائر إذا كانت “غنيمة حرب”.
وإذا كان الغضب سيد الموقف في المنابر الإعلامية الفرنسية على القرار الجزائري، فإن الارتياح بدا جليا في المعسكر الآخر، أي الأنجلوسكسوني، فقد تحدثت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، عن البرنامج التجريبي الذي باشرته الجزائر منذ نحو سنة والمتمثل في تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية، وأشادت بنجاحه وتوسيعه في خطوة تعكس “تحولا لغويا”.
وقالت الصحيفة إن الطلاب العائدين إلى الفصول الدراسية للصف الثالث والرابع هذا الخريف سيشاركون في فصلين للغة الإنكليزية مدتهما 45 دقيقة كل أسبوع، حيث تنشئ الدولة برامج جديدة لتدريب المعلمين في الجامعات، وتتطلع إلى المزيد من التغييرات التحويلية في السنوات المقبلة، واعتبرت ذلك توجها حاسما لانحصار النفوذ الاقتصادي والسياسي لفرنسا في مستعمرتها السابقة.
بدورها، نشرت وكالة “اسوشيتتد برس” الأمريكية تقريرا جاء تحت عنوان “الجزائر توسع نطاق تعلم اللغة الإنكليزية مع انحسار نفوذ فرنسا”، ونقلت تصريحا لوزير التربية الوطنية عبد الكريم بلعابد، قال فيه إن “تعليم اللغة الإنكليزية هو خيار استراتيجي في سياسة التعليم الجديدة للبلاد”.
ويتحدث تقرير الوكالة عن أن عدد الناطقين بالفرنسية في الجزائر يفوق عدد المتحدثين بها في جميع الدول باستثناء فرنسا نفسها وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقدمت رقما يصل إلى 15 مليونًا من أصل 44 مليون نسمة في البلاد، وذلك استنادا إلى الأرقام الصادرة عن منظمة الفرانكوفونية.