فاقو!
دخلت صدفة محلا تجاريا وسط العاصمة، فوجدت زبائن يحللون ويتناقشون ويضعون يدهم على الجرح، وأعجبني الحديث الشيّق والموضوعي.. لم أتدخل، لم أقاطع المتحدثين، لم أكشف هويتي كصحفي.. لكن تماطلت وتباطأت وتقاعست وتثاقلت و”سمّطت” وتحوّلت إلى سلحفاة، حتى أستمع إلى “مناظرة” مفتحة على المباشر ومن دون ساتيليت أو قمر صناعي!
أجمع هؤلاء “السياسيون” الكبار أن القيادات الحزبية “أخذت كلّ شيء” لنفسها وعائلتها وأبنائها وحاشيتها وذوي قرباها وأصدقائها، ولم “تعط أيّ شيء” لأحزابها ومناضليها، مثلما حرمت الجزائريين من كلّ شيء من أجل لا شيء أو من أجل أيّ شيء!
.. وجدته كلاما كبيرا ومثيرا وخطيرا.. فقرّرت أن لا أغادر المحلّ إلى أن “يطردني” صاحبه أو تتهمني الجماعة بالتخابر والتآمر وتـُلقي عليّا القبض بتهمة “الجوسسة“!
وقال قائل: “هذاك الوزير عندو كذا وكذا“، وردّ عليه “الخبير” الآخر: “وهاذاك السياسي يستورد كذا وكذا“، وقال “المحلل الاستراتيجي” الثالث: “وسي فلان يصدر كذا وكذا“.. وبعدها نطق الجميع بعبارة واحدة: “واحنا شبعونا هدرة وبوليتيك“!
.. عندها قرّرت أن أخرج رأسي من وسط السلع، وإمّا أن أتدخل وأشارك في “البرنامج“، وإمّا أن أنسحب بشرف وكفى المؤمنين شرّ القتال!
الكلام الذي دار بين المواطنين البسطاء، بطبيعة الحال ليس “كلام قهاوي“، ولا هو تحليل بزنطي، ولا تحامل ولا تطاول، فالكثير ممّا قيل، هي معلومات دقيقة سمعت بها أنا وأنت ويعرفها العام والخاص، والبعض الآخر من تلك الأخبار، شخصيا لم أسمع بها، لكن قد تكون كذلك صحيحة ومن مصادر مطلعة وموثوقة ورسمية ومسؤولة ومتطابقة!
نقلت تفاصيل هذا “البرنامج السياسي” أو “المحاكمة الشعبية” لبعض المسؤولين والسياسيين والقيادات الحزبية، لنقف عند درجة وعي ووقار المواطنين، وحتى تتأكد رواية يعرفها الجميع، مفادها أن المواطن “فاق” ولم يعد يسمع أو “يشبع” أو يقنع بآراء وتحليلات السياسيين!
السبب معروف، لأن السياسي والقائد الحزبي، تورط في قول ما لا يفعل، وفي الظهور حصريا خلال الحملات ثم الاختفاء إلى الأبد، إلى أن تعود الانتخابات، وقد تيقن المواطن أن الكثير من هؤلاء “يأكلون الغلة ويسبون الملة“، وأن مصالحهم أولى من مصالح البلاد والعباد.. فعلا.. ياو فاقو!