-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

…فاهم والله لا قرا!

جمال لعلامي
  • 2809
  • 1
…فاهم والله لا قرا!

جلس إمام زاوية سيدي صالح، ليلقي كعادته درس الجمعة. وبالصدفة يلمح شيخه، الشيخ بوعبد الله، الذي تخرّج على يديه، فما كان منه إلا أن توقّف على الفور، وأعطى الكلمة لشيخه، وطلب منه أن يلقي الدرس مكانه، فألقى الشيخ الدرس.

وأثناء تناول وجبة الغداء في القاعة المخصصة للضيوف، سألت الإمام الشاب عن معنى قوله في الخطبة: “العلم النافع يُصلحُ نِية الإنسان”، فأجاب وكلّه أدب واحترام.. لايمكنني أن أجيب في حضرة شيخي، وامتنع عن الإجابة، وطلب من شيخه بوعبد الله أن يجيب، فأجاب شيخه.

وأول عمل قام به الإمام، بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، أن اتّجه مباشرة يعانق شيخه، ويرحب به من جديد، ولم يغتر بإقبال المصلين عليه، بل كان يطلب منهم، أن يلقوا السلام على شيخه، أولا.

ومنذ أسبوعين، وبعد صلاة الجمعة، سأل أحد المصلين، الإمام الشاب عن مسألة فقهية تتعلق بالنحل، فأجاب الإمام.. لا يمكنني أن أفتي في حضرة شيخي بوعبد الله، وطلب من السائل أن يتوجه بالسؤال إلى شيخه، فأفتاه شيخه، وفرح التلميذ كثيرا بفتوى شيخه.

وكان الإمام الشاب، في كل لحظة من اللحظات التي تجمعه بشيخه، والناس المحيطين من حوله.. إلا ويفتخر بشيخه، ويقدمه على أنه من فقهاء الجزائر، والمتمكنين جدا في الفقه المالكي، ولا يتقدم عليه أبدا، في أكل أو شرب أو كلمة أو فتوى.

هذا السمو في الأدب، والعلو في الاحترام والأخلاق، مبثوث عبر صفحات الكتب. لكن من نعم الله على عبده، أن يمتّعه بالنظر إليها، كما هي في طبيعتها، ويلمسها في أقوال وحركات وأفعال بين تلميذ وشيخه، ويكون الشاهد على بقائها، ورسوخها، وعدم اندثارها. ولعلّ نقلها يساهم في نشرها، وحب الناس إليها، والتمسّك بها.

الأستاذ معمّر جبار

 

تعقيب: ..والله يا أستاذ، تجعلني أقول مرّة أخرى، ما قاله الأوّلون، وأنا في كامل قواي العقلية والنفسية: “ألـّي قرا قرا بكري”، والمثال الحيّ الذي رويته على القراء، هو نموذج لجيل قديم، والمصيبة أن هذا الجيل ليس من الجيل، في الكثير من التفاصيل، بالرغم أننا رضعنا مقولة تقول: هذا الشبل من ذاك الأسد!

القليل من التلاميذ الآن يا أستاذي الفاضل، يسمعون لأساتذتهم، والأخطر من ذلك، ان القلة القليلة من التلاميذ هي التي مازالت تحترم أساتذتها، وهذه هي الطامة الكبرى لواقع المظلومة التربوية!

مصيبة المصائب، أن التلميذ كان يغيّر طريقه عندما يلمح أستاذه قادما قبالته، لكن اليوم الأستاذ هو الذي أضحى يبدّل مساره حتى لا يلتقي بتلميذه، ويقتصر لقاءه وتعامله به داخل القسم فقط، وكفى المعلمين شرّ القتال!

قديما كان الأساتذة والمشايخ و”كبار الدوار” يتحدثون، والتلاميذ والصغار يستمعون، لكن الآن انعكست الآية، ليس لأن الكلام والحكم انتهى من جعبة هؤلاء، لكن لأن التلاميذ أصبحوا لا يسمعون، وتحوّلوا إلى مشوشين ومعطلين ومثرثرين، ولذلك أصبح الدخول المدرسي بلا طعم ولا رائحة! 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الجزائرية

    ما أشار إليه السيد الكريم هو أزمتنا ،إنها انحدار "القيم" و سقوط الهيبة أي التوقير و الطاعة و الإحترام بمفهومها الأخلاقي و ليس "التبعية و التملق"فوظفت العولمةـ للقضاء على الديكتاتوريات ـ أهم أسلحتها و هو التمرد .فكان أولا على السلطة ثم تعدى ذلك إلى المساس بهيبة الدولة فالوطن و اختلط الأمر.و هكذا وجدنا أنفسنا أمام الدعوة إلى كسر "الطابوهاتّ"تحت غطاء الديمقراطية فتلاشت السلطة الأبوية بمفهومها الواسع الكل تمرد و الكل يصرخ الزوجة في وجه زوجها و الإبن أمام والديه و أستاذه والأستاذ في وجه مسؤوله و هكذا