فرنسا الإمبراطورية التي غربت عنها الشمس

عملية الإجلاء السرية أو تهريب سيّدة متابَعة لدى العدالة الجزائرية، من طرف دبلوماسيين فرنسيين إلى باريس عبر تونس، هو عمل لا يُنقص شيئا من وزن الجزائر، ومن قيمتها، بقدر ما يكشف مزيدا من أسرار الدولة الفرنسية ومدى انهيارها في السنوات الأخيرة بعد أن ظهرت قوى عالمية جديدة محترمة، أزاحتها نهائيا عن المشهد الاقتصادي والسياسي والثقافي..
فما عادت تستطيع التحرك سوى بالمناورات وحتى باستعمال أسلوب العصابات البائس، الذي لا يختلف عما قامت وتقوم به بعض الجماعات الإجرامية والمسلحة، كما هرّبت عصابات المخدرات في كولومبيا زعيمها السابق “أوتنيل” من بلاد إلى أخرى، وكما كان يهرِّب تنظيم “القاعدة” زعيمه السابق “أسامة بن لادن” من أفغانستان إلى باكستان، أو كما هرّبت عصابات الذهب في الأرجنتين زعيم المافيا الإيطالية “مورابيتو” قبل توقيفه وتسليمه منذ خمس سنوات إلى السلطات الإيطالية.
ما قامت به فرنسا، ولا نقول الدبلوماسية الفرنسية والأمن الفرنسي فقط، يؤكد بحسب طريقة التنفيذ، بأن لهذه الدبلوماسية سوابق أخرى وكثيرة جدا، ليس في الجزائر فقط وإنما في العديد من بلدان العالم، خاصة في المستعمرات القديمة للإمبراطورية الفرنسية التي غربت عنها الشمس نهائيا، وتواجد المئات من الإرهابيين في أوربا وفرنسا على وجه الخصوص في زمن العشرية السوداء، وقيادات “الماك” وغيرها في الزمن الحالي، هو دليلٌ على أن فرنسا كانت حاضنة لكل ما يمكنه أن يعكّر صفو الجزائر، أو بعبارة أدقّ، لكل ما يعيق محاولة خروج الجزائر من القبضة الفرنسية التي تريد باريس تثبيتَها، هذا إذا لم نقل إن هؤلاء من إرهابيين بكل ألوانهم وأطيافهم، كانوا مجرد بيادق تحرِّكهم فرنسا في الوقت بدل الضائع، بعد أن خسرت مواجهاتها مع الجزائر في الأوقات الرسمية.
سيكون من العبث الإلتفات إلى أي تبرير مهما كان مصدره لعملية “التهريب” الأخيرة، فكل الأعذار هي في حقيقتها أقبح من الذنب، وفي بعض الجرائم لا يمكن لمرتكبها حفظ كرامته سوى بالاعتراف والاعتذار، ولا أحد يُلزم الضحية بالإلتفات إلى الاعتراف أو قبول الاعتذار، خاصة إذا كان الأمر، أي الإجرام، عمره عقود من الزمن، من دون هدنة ولا راحة.
أبانت الأحداث الأخيرة، وخاصة في زمن جائحة كورونا، وحرب أوكرانيا وما أفرزته من أزمات، بأن حجم فرنسا، يتقلص مثل الظل في الصباح، ينقص حينا فحينا، حتى نكاد نجزم بأنها قد تلاشت نهائيا، وسيكون انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس” رصاصة الشفقة والرأفة وليس الرحمة لهذه الإمبراطورية التي بقيت في بعض كتب التاريخ ولا وجود لها في الساحل والشام، ولا نقول في بقية بلاد العالم، وقواه التي بَنت ازدهارها من جهد أبنائها، وليس بجهد الآخرين وبخيراتهم، بينما طوت الجزائر حكاية فرنسا كما يُطوى الكتاب، على حد تعبير مفدي زكرياء.