-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرنسا تحفر قبرها بيديها

فرنسا تحفر قبرها بيديها

يُجمع المؤرخون الفرنسيون ومنهم “بيير بورديو”، و”إيف كويير”، على أن انقراض فرنسا من أرض الجزائر تسارع، عندما ظهر “المتعنترون” وكثرت المجازر وصار “بيجار وماسو وموريس ولاكوست”، هم واجهة الدولة الفرنسية، يفعلون ما تُمليه عليهم بغضاءهم، فتلقت فرنسا الضربة الثورية، التي لم تبق لها قدما في الجزائر.

ولن نكشف سرّا أو نبوح بألم، إذا قلنا بأن فرنسا تركت “أبناء”، حاولوا أن يُبقوا ريحها ونَفَسها في الجزائر، فكانت تتبختر بـ”فرونكوفنية” البعض، وباستعمارها للجامعات والتكنولوجيات والاقتصاد، وحتى لبطون الجزائريين بقمحها وحليبها.

ولأن فرنسا في الغالب تخسر حروبها بأخطاء قادتها وأبنائها الذين تأخذهم العزة بالإثم، تجدهم يمنحون الانتصار لخصومهم على طبق من ذهب.

لعبة “الغميضة” ما بين الرئيس ماكرون ووزير داخليته روتايو تارة، ورئيس حكومته بايرو تارة أخرى، صارت مكشوفة. وإذا كان ساسة فرنسا في زمن غابر، يتميزون بالحيلة والدهاء، ومدعومون بدولة كانت عظمى، فإن الجيل الحالي أقرب لعالم التهريج والبهلوانية التي تُسرّع في انهيار التمثال الفرنسي، الذي فقد دولا كان ينهل من ثرواتها، وتقدِّم له البيعة من دون أن يطلبها.

الجزائر بلد غني وآمن ومبتهج بشلة من أصدقائه الجدد ويحاول أن يدخل العالم الجديد بعقلية جديدة، من دون المرافقة الفرنسية، التي حاولت أن تقول بأنها وحدها في الوجود، وبينما تفهّم بعض الفرنسيين الأمر، وحاولوا التأقلم معه، رأى آخرون بعرقلته بالاستفزاز الذي هو بالتأكيد حفر للقبر الفرنسي الأخير في بلاد الجزائر، بأيدي فرنسية خالصة، ارتكبت منذ حوالي قرن نفس الخطأ، وهي تكرّره الآن، ولكن بحال بائس سيُنهي وجود فرنسا من الجزائر، وسيبقى التاريخ فقط بينهما بماضيه، من دون حاضر ولا مستقبل.

وفرنسا بلد ما عاد  بيدقا في رقعة الشطرنج العالمية، وما يقوم به بعض الساسة هو “نحيب” جهوري، بلا تأثير على بلاد وبلدان سارت وحلقت وأبحرت، وما عادت تنظر إطلاقا إلى الوراء.

لقد أضاعت فرنسا الفردوس الموعود في سنة 1962 وتركت هناك بعض أشيائها، وهي الآن بعد أن مسّتها نار الجحيم، صار حالها يشبه حال الديك المذبوح، تتخبط، فلا الفردوس سيعود، ولا أشياءها بقيت، والمؤسف في حالها أنها تنتحر بمشانق سياسية نصبتها لنفسها.

لقد كان من الصعب على بلدان كثيرة وعلى رأسها الجزائر، أن تفتح صفحة جديدة مع فرنسا بعد عقود الدم والنار التي فرضتها على أهل الأرض، ومع ذلك كتمت أحزانها وطلبت السلم والسلام لأبنائها، حتى يعيشوا آمنين من دون أحقاد، وهي في الحقيقة تحصيل لما حصل، ومن عادة المتجبرين والطواغيت أنهم يفهمون الصمت، رضا، والصبر هلعا، فزادوا مراحل، من جبروتهم وطغيانهم وما أدركوا بأنهم في الوقت الذي نزلت رايتهم، رفرفت رايات بقية الأمم، فكان الذي كان الآن، والذي سيكون غدا في جزائر من دون  فرنسا، والبادئ على مرّ الأمكنة والأزمنة، أظلم.

وأظلم هنا من الظلم ومن الظلام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!