-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرنسا.. ماذا يزعجها في الجزائر؟

فرنسا.. ماذا يزعجها في الجزائر؟

لا يمكن قراءة التحامل الفرنسي المحموم على الجزائر منذ بدايات الحراك الشعبي المبارك في 22 فبراير من العام الفائت سوى ضمن حالة هستيرية من رد الفعل المشحون والمتوتر، دفاعًا عن مصالحها الضائعة أو المهدَّدة بالزوال والتراجع، بفعل التغيرات المؤثرة في بنية النظام السياسي من حيث موازين القوى الإيديولوجية على الأقل، حتى لو ظل مسار التغيير الكامل مؤجلا في البلاد.

واستمرار الهجوم الفرنسي مع صعود السلطة الجديدة يُنبئ بعدم رضا باريس على مخرجات الانتخابات الرئاسية، ولذلك فهي لا تتوانى عن ممارسة لعبة الاستهداف والابتزاز القذرة، للمساومة من أجل إعادة التموقع في صياغة القرار الجزائري، بما يخدم أطماعها الاقتصادية والثقافية والسياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية على المستوى الإقليمي.

الفرنسيون يعرفون جيدا الرؤية المبدئيّة للرئيس الحالي عبد المجيد تبون من طبيعة العلاقة الندية المفترضة مع دولة الاستعمار القديم، فضلا عن قناعاته العقديّة تجاههم، ليس بعد استلامه مقاليد الحكم في قصر المرادية، بل منذ تكليفه بالوزارة الأولى في 2017، وقبلها على رأس قطاع السكن، فهو الذي عطّل الاستيراد العشوائي من فرنسا وخاض معركة جامع الجزائر الأعظم على أنقاض “لافيجري” في منطقة المحمدية، ولا تزال ذاكرتهم المصدومة تحتفظ بتصريحاته المدوية بهذا الخصوص.

اليوم يباغت الرئيس العقل الكولونيالي ببعث ملف الذاكرة، ليس بالخطابات الاستهلاكية، بل بالقرارات والإجراءات الميدانية، وفي مقدمتها الأمر بإطلاق قناة تلفزيونية للذاكرة والتاريخ بمستوى عال وذات صدى دولي.

وقبل ذلك، كان العملاق الفرنسي الدولي “توتال” قد خسر معركة الاستحواذ على النفط الجزائري، مثلما ظهر الرئيس تبون في حواراته الصحفية مُصرّا على تحويل الصحراء الجزائرية إلى واحة خضراء لإنتاج القمح اللين، وتأمين قوت الجزائريين، في وقت تظلّ بلادنا سوقا استهلاكية أولى لفرنسا خارج الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، فضلا عن مؤشرات التوجه الجزائري نحو تعزيز اللغة الإنجليزية على حساب الغنيمة المسمومة، ودور الجزائر المتقدم في القضية الليبية خارج المخطط الفرنسي للتأزيم.

ذلك وغيره مما تضيق به هذه المساحة، هو ما يدفع فرنسا اليوم للتكالب على الجزائر، شعبًا وجيشًا وسلطةً، بعيدا عن حرية التعبير المزعومة، فلم تكن يوما تلك المؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية والحزبية، سواء في فرنسا أو عن طريق وكلائها عندنا، سوى أدوات وظيفيّة في خدمة أجندات الإليزي واللوبيات المرتبطة به، عندما يتعلق الموقف بالشأن الجزائري.

لو كانت باريس مطمئنة على مسار التحولات في الجزائر لما صرخت أبواقها ولا ثارت ثائرتها ولما تخبطت أذنابها، لذا من الواجب الآن مؤازرة مؤسسات الدولة، في معركة تعزيز خيار تثمين الاستقلال وتكريس السيادة الوطنية، بغض النظر عن خلاف البعض معها سياسيّا، بهدف إحداث القطيعة مع الهيمنة المادية الفرنسية والتبعية الثقافية لها، لأنّها واحدة من العقبات الأساسية أمام مسيرة البناء والتنمية والديمقراطية في الجزائر منذ 1962.

وحتى تنجح السلطة في تحقيق التفاف القوى الوطنية حول مسعاها التحرري من النفوذ الفرنسي، عليها استكماله بخطوات قادمة، أكثر فعاليّة وإيلامًا وتعبيرًا عن فتح عهد جديد، تكون فيه الجزائر شريكا نديّا بكل المقاييس، إلا وفق ما تمليه مصالحها العليا المعتبرة واقعيّا.

منشورة من قبل

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • شاوي حر

    يزعجها الاحرار ورثة الاخيار يا سي عبد الحميد فسحقا لها ولعملائها الاشرار

  • محمد قذيفه

    يارجل اتق الله كل الناس تحلم بود فرنسا

  • مامون

    بالتوفيق لرئيسنا وتبون وثبت الله خطاه في بعث نهضة اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية وعلمية للجزائر.