في الذّكرى السبعين لاندلاع الثّورة المظفّرة
قبل يومين، عاشت الأمّة الجزائرية الذّكرى السّبعين لاندلاع ثورة التحرير المظفّرة، وهي ذكرى نترحّم فيها على رجال نحسبهم ممّن صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولا نزكّي على الله منهم أحدا.. رجال قاموا رغم قلّة العدّة والعدد والعتاد والسّلاح لمواجهة جيش كان من أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت، يؤزّه ويمدّه من خلفه حلف النّاتو الآثم، ليس ليحتلّ الأرض وينهب الخيرات فحسب، وإنّما كذلك ليجتثّ الإسلام من هذه الأرض التي سقيت بدماء الصحابة والتابعين.
قام المجاهدون ببطون خاوية وأقدام حافية ليس لهم من سلاح غير بنادق الصيد، لمواجهة جيش مدجّج بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت.. كانوا واثقين بنصر ربّهم وعدالة قضيتهم، فلم يلتفتوا إلى الفارق الكبير في العدد والعدّة بينهم وبين عدوّهم، حيث كانت التقديرات تشير إلى أنّ المجاهدين لم يتجاوز تعدادهم 30 ألفا، بينما تعدّى جيش المستعمر الفرنسي مع عملائه من الخونة 460 ألفا، أي أكثر من 15 ضعفا.. يقول المجاهد البطل العقيد محند أولحاج، قائد الولاية الثالثة لمنطقة القبائل، يخاطب المناضل والمجاهد أرزقي باسطة، خلال اللقاء الذي جمعهما بعد وقف إطلاق النّار: “نعم بالفعل لقد كان الله -عز وجل- معنا، ولولا الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- ما كان أحد منا ليواجه ويصمد أمام تلك الشدائد.. لقد كان العديد من المجاهدين يأتون إلينا يطلبون الإذن للقيام بعمليات استشهادية ضد العدو.”
لم تهن عزيمة المجاهدين لقلة عددهم وضعف عتادهم، ولم يسمعوا كلام المثبّطين وأهل الخور الذين حاولوا كسر عزائم المجاهدين، وأنّى للمخلدين إلى الأرض ذلك أمام رجال يحملون عقيدة راسخة أنّ الله من وراء الأعداء محيط وأنّ كلمته –سبحانه- قد سبقت بنصر عباده المؤمنين.
كان “الجهاد في سبيل الله” شعارهم ودثارهم ورايتهم، وكانت المصطلحات الإسلامية حاضرة وظاهرة للعيان.. لقد كان في وسعهم أن يسمّوا من يرفع السلاح ليقاتل فرنسا “مناضلا” كما كان شائعا في العالم في ذلك الوقت، لكنّهم أبوا إلا أن يسمّوه مجاهدا، وسمّوا الصحيفة التي تنطق باسم الثورة الجزائرية باسم “المجاهد”، وكانت كلمة السرّ هي “خالد وعقبة” إشارة إلى ارتباط الجهاد الجزائريّ بجهاد خالد بن الوليد وعقبة بن نافع رضي الله عنهما ورحمهما، وكانت صيحة المجاهدين الله أكبر، وكانت محاكم الثورة تصدر أحكامها وفق مبادئ الشرع الإسلاميّ، وكان هدفهم إقامة دولة جزائرية حرة في إطار مبادئ الإسلام، وكتبوا هذا الهدف ودوّنوه في أوّل بند من بيان أول نوفمبر، حيث أكّدوا بكلّ وضوح أنّ الهدف هو “إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”.
والسؤال الذي يجب وينبغي أن يطرح في مثل هذه المناسبة دائما: هل حافظنا على عهد المجاهدين والشّهداء؟ هل حفظنا وصيتهم؟ أوصونا خيرا بديننا فهل أعلينا شأنه وحافظنا عليه والتزمناه في أنفسنا وبيوتنا ومؤسّساتنا؟ أوصونا بالجزائر خيرا فهل حافظنا على مكانتها بين الأمم؟ هل حافظنا على أرضها وهوائها ومائها وعلى خيراتها؟
أحد الشّباب الصّالحين في هذا البلد رفع منذ مدّة شعار “خضراء بإذن الله” لحملة تهدف إلى تحويل الجزائر إلى جنّة خضراء، وهو مشكور على سعيه الذي يجب علينا أن نؤازره فيه ونعينه.. لكن أليس من واجبنا كذلك أن نرفع شعار “مسلمة بإذن الله” فنجعل الإسلام فوق رؤوسنا في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسّساتنا، ونعرف للأذان قيمته، ولوقت الصّلاة أهميته، وللحجاب قدره، ونتكاتف جميعا لمحاربة المخدّرات والفواحش والمنكرات والتبرّج والربا والرشوة والتزوير والغش والمحاباة؟ أليس من واجبنا أن نرفع شعار “قوانيننا وفق هويتنا، والقانون فوق الجميع”، فلا يبقى أحد فوق طائلة القانون أيا كان منصبه؟ أليس من واجبنا أن نرفع شعار “عادلة بإذن الله”، فنسعى ليكون قضاؤنا مستقلا يخضع له الجميع من دون استثناء؟ أليس من واجبنا أن نرفع شعار “متقدّمة بإذن الله”، فنسعى لإصلاح التعليم والخدمات، ويلتزم كلّ منّا بأداء واجبه كاملا؟ أليس من واجبنا أن نرفع جميعا شعار “نظيفة بإذن الله” فنكفّ عن رمي الأوساخ والمخلفات والبقايا في الشوارع والطّرقات، ويسعى كلّ واحد منّا في تنظيف ساحة بيته، ومؤسّسته التي يعمل فيها ومسجده الذي يصلّي فيه، ويحرص على أن يترك المكان الذي يمرّ به خيرا ممّا وجده عليه؟