-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في تونس سأنتخب قيس سعيد!

في تونس سأنتخب قيس سعيد!
ح.م

تابعتُ بإمعان المناظرة التلفزيونية بين مُرشحي الرئاسة التونسية، “قيس سعيد” و”نبيل القروي”، التي بُثَّت على المباشر الليلة قبل الماضية، وبِوُدِّي أَنْ أُسَجِّل بعض الملاحظات التي قد تُفيدنا كجزائريين في إدارة الأزمة التي نعيش.

الملاحظة الأولى: لقد تمكنَتْ تونس من خلال هذين المُرشَّحين  من اختزال كل الفسيفساء السياسية التي تعرفها في رمزية شخصين قَدّمَتهُما للشعب ليحكم بينهما على المباشر. من جهة “نبيل القروي” الذي يرمز للانفتاح على الغرب والليبرالية والديمقراطية اللائكية كأدواتٍ لبناء تونس العصرية (ما يُماثِل عندنا تيار البديل الديمقراطي)، ومن جهة أخرى المترشح “قيس سعيد” الذي يرمز، خلافا لذلك، للقوى الشعبية الجديدة الصاعدة، من شبابٍ غير مُهيكَل، وتيارات محافظة وإسلامية بما فيها حركة النهضة، العاملة على بناء نظام ذي طبيعة فكرية جديدة بالتدريج. (ما يُماثِل عندنا التيار الوطني المحافظ والإسلاميين)… وهكذا وُضِعَتْ مسألة الفرز بين هذا أو ذاك، بين أيدي الشعب الذي ستكون له الكلمة الفصل يوم الانتخاب. وهذه في حدّ ذاتها نتيجة إيجابية باعتبار أن أي طرف لم يقم بإلغاء الطرف الآخر، وأي طرف لم يَسْعَ إلى منع الطرف الآخر من الوجود، حتى وإِنْ كان من بين مكوِّناته أنصارُ النظام السابق. بل كلاهما أبقى حق الوجود للآخر، وحق الدفاع عن النفس، ومحا من قاموسه أحكامَ التخوين والإقصاء…

الملاحظة الثانية: أن الطرفين، رغم ما يُقال عن كل منهما، لم يُعِيرا اهتماما يُذكَر لاتهامات الفيسبوك أو ادِّعاءات العوام والخواص من النّاس، ولم يجعلا من القضايا الشخصية محور نقاشهما، ولم يثيرا قضايا الماضي كثيرا، بل أن كُلاًّ منهما نَأَى بنفسه عن الحديث في خصوصيات الآخر، ولم نسمع أي عبارة من عبارات التخوين أو التجريح أو النبش في العورات الشخصية أو الخصوصيات، بل انصبَّ كل النقاش على الأفكار والبرامج والوسائل والأهداف، وركزا معا على المستقبل أكثر من الماضي. وحتى عندما حاول الطاقم الصُّحفي بحكم طبيعة المناظرة، حث الطرفين على مقاطعة بعضهما البعض، فإنهما لم يفعلا ذلك، إلا نادرا، وضمن حدود الاحترام التام. لا كلمة نابية، ولا صراخ، ولا تلويح بالأيدي ولا حركة في غير محلها… فعلا كان درسا في الأسلوب الحضاري في التنافس ومحاولة إقناع الناخبين، كلٌّ بطريقته وبأسلوبه.

الملاحظة الثالثة: ظهر المترشح “قيس سعيد” في مستوى الأستاذ الذي يُمثّله، في ثقافته الواسعة ومصطلحاته المضبوطة ولغته السليمة… وظهر المترشح “نبيل القروي” في شكل رجل الأعمال البراغماتي الذي لا يهمُّه  حُسن الحديث ودقة المصطلح بقدر ما تَهمُّه النتيجة في الميدان، وكيف ستدعمه القوى النافذة في عالم لا يرحم… أي أن كليهما كان عاكسا لشخصيته من غير تمثيل أو خداع.

الملاحظة الرابعة: وجدتُ نفسي أميل إلى “قيس سعيد” أكثر من “نبيل القروي” لأن الأول أقنعني بإدراكه العميق لطبيعة الديمقراطية والصراع الفكري السائد، من خلال تمييزه الواضح بين حرية الفكر وحرية التعبير، وتجاوزه تلك المفاهيم البالية حول الدولة والنظام السياسي والعدالة الاجتماعية، معتمدا في كل ذلك على الله تعالى أولا، وعلى قدرة القاعدة الشعبية من الشباب على الإبداع والابتكار لبناء الدولة الجديدة. ولعل غيري وجد نفسه يميل إلى “نبيل القروي” رجل الأعمال ذي العلاقات الوطيدة مع الغرب القادر على تطوير تونس بالمال والتفاعل مع القوى الدولية الفاعلة.

ولو كنتُ معنيا بالانتخاب، لدعوتُ عن قناعة إلى انتخاب المترشح “قيس سعيد”، ولانتظرتُ نتيجة الانتخابات، ولَقَبِلتُ بها مُسبَّقًا، ربِح مرشحي أو خسر، ولقلتُ في آخر المطاف: هذه هي الديمقراطية، أحسن الموجود من بين الأنظمة السياسية القادرة على إبقائنا ضمن دائرة  الأمل.

هل سنتمكَّن نحن من اختزال الاختلاف في وجهات النظر بيننا في شخصيتين ومشروعين، ونُفاضل بينهما يوم الانتخاب؟ أم سنستمرّ في إقصاء بعضنا البعض بعشرات الأشخاص والمشاريع، ضمن منطق احتكار الحقيقة، أو كل شيء أو لا شيء.. حتى وإن أوشكت السفينة على الغرق بنا جميعا!؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • ياسين

    للأسف التيار من يسمون أنفسهم التيار الديمقراطي عندنا في الجزائر يعتبرون أنفسهم فوق الديمقراطية و غير ملزمين بالتقيد بمبادئها المعروفة...فهذا التيار في الحقيقة ديكتاتوري أحادي النظرة و لنا في التاريخ القريب 92 خير دليل على انقلابهم على مبادئهم التي كانوا يزعمون و يكذبون بها على الشعب و أدخلوا البلد في دوامة الدم و الدموع؟ و اليوم يحاولون تكرار نفس المأساة لو حكمة قيادة الجيش الوطني الشعبي التي فضحتهم و أفشلت مخططهم الخبيث؟؟؟ فليتعلم هؤلاء الديمقراط الديمقراطية من إخواننا التونسيون؟؟؟

  • جزائري

    إلى المعلق العمري. بصراحة لم افهم من هم المقصودون بالديمقراطيين اللذين وصفتهم بالصخرة. نعم هم صخور لكن ديمقراطيين لا اعتقد ذلك لأنهم اقصاءيون بامتياز. ومتى كانت الصخرة تسمع غيرها. في الجزائر هناك متطرفون يقودون المشهد السياسي الاسلامي او الديمقراطي وليس هناك لا اسلام ولا ديمقراطية بل صخور تدعي الاسلام وصخور تدعي الديمقراطية والشعب رهينة هؤلاء المتطرفين سواء في السلطة في المجتمع. لن تنجح الجزائر حتى يروحو هاذو قاع لكن ما همش رايحين وتونس اوفر حظا للخلاص لانهم اكثر اعتدالا وثقافة واحتراما بعضهم لبعض كما راينا في المناظرات.

  • منور

    نعم أستاد كل ما دكرته عن الرجلين يليق بهما كمترشحين لحكم تونس ،أنا بمفهومي البسيط أعتقد الكفة مائلة للقروي لمادا ؟هدا يمثل البزنسة والشعب في عمومه يريد هدا كل ماهو آني ثانيا مدعما من الغرب المالي لا السياسي في اسبانيا وفرنسا وأمريكا وحتى اسرائيل ادن ممكن يخرج من صناعة عائلة "روتشيلد" المتحكمة في العالم ماليا وبؤريا.الرجل الثاني قد يتغلب عليه هو الآخر لما له من مصدقية لدى الشباب والوسط الطلابي والنخبوي فهو يمثل بحق فكر تحروريا جديدا وواقعيا ومن اعتمد عليه ثمرت يداه لأن بالأفكار يمكن صنع كل شئ وليس بالمال كم كنا نملك وبدون أفكار ضيعنا كل شئ

  • الدكتور محمد مراح

    توضيح : القصد من رسالتي الواردة آنفا { تعليق رقم 3 } هو ترشيح الدكتور سليم قلالة لمنصب رئيس الجمهورية.
    وأنا أدرك تماما ما أقول : فالمرحلة تحتاج لشخصية تتمتع بالإدراك الاستراتيجي للمسألة الوطنية، وقد أكد الدكتور سليم عبر مساره الفكري والثقافي زالإعلامي و من خلال مقالاته السامقة المرافقة للأزمة قوة هذا الإدراك لمعالم وكثيرا من تفاصيل الرؤية الاستراتيجية لانطلاق بناء وطني جديد .
    نسأل الله السداد والتوفيق

  • العمري

    1. لا يحق لك أن تعطي دروسا(ولو ضمنيا) للتونسيين الذين يعرفون ما يليق بهم .هذا منافي لأخلاقيات الاستاذية والصحافة.
    2.هذان الرجلا ن لا يختزلان الفكر السياسي في تونس .التوجهات السياسية في تونس متعددة وثرية جدا بحيث يبدو أن هذين الرجلين يجسدان فقرا فكريا سحيقا .
    3. مقارنتك نبيل القروي بالتيار الديمقراطي في الجزائر هي إهانة لهذا التيار الأصيل الذي كان ولا يزال الصخرة التي تحطمت عليها كل محاولات استعباد الشعب الجزائري بالاستعمال الديماغوجي للدين والوطنية الكاذبة .
    4. الدولة والنظام السياسي والعدالة الاجتماعية ليست مفاهيم بالية بل هي أسس كل عمل سياسي. بديهة يعرفها طلاب السنة الاولى علوم سياسية

  • الدكتور محمد مراح

    أستاذي الفاضل أرسلت الرسالة الآتية الذكر لمجموعة وطنية ولا زلت أراه مناسبا جدا وقابلا للتجسيد إن شاء الله :
    نص الرسالة :
    {السلام عليكم إخواني أداء لواجب النصح لله وللشعب الجزائري المسلم، فإني أقترح الدكتور سليم قلا لة لما أعتقد أنه يتوفر عليه من خصائص ملائمة لشخصية المرحلة الحرجة . والله أعلم .والموفق}

  • جزائري

    علينا ان نعترف ان هناك فارق ثقافي كبير بين الجزائر وتونس من حيث المستوى الثقافي للمجتمع وحتى السلطة. جامع الزيتونة ذو التوجه الاسلامي الوسطي الغبر متشدد والغير متطرف اقر بشكل كبير على مدى قرون في الثقافة التونسية علما وتربية وثفافة وهو ما نفتقده نحن في الجزائر. هناك مجهودات ابن باديس والابراهيمي والميلي وغيرهم لكن الاثر والظروف لم تكن مواتية كما هو الامر بالنسبة لجامع الزيتونة وتونس. في الجزائر ما زلنا في عقلية يروحو قاع وما ابعد هذه العقلية عن ثقافة التوانسة اللذين ذاقوا الامرين من تسلط بن علي لكنهم اليوم ينظرون فقط الى المستقبل. هل سنذهب الى الانتخاب ونتقدم الى الامام ام ننتظر حتى يروحو قاع

  • الجزائري الحر

    كشفت المناظرة مستوى كل من الوسطي قيس سعيد” والعلماني ”نبيل القروي....الفرق شاسع في المستوى العلمانيين شاطرين في السرقة والرشوة والمحابات والعمالة لجلاديهم فقط وهم من دمر البلدان العربية حيث لا يختلفون على السيسي واويحي والتوفيق وحداد وربراب والسعيد ة والمالكي وحفتر وامير الامارات وملك السعودية هؤلاء هم مصيبة العالم العربي العلمانيين هم عملاء فقط واحد لامريكا وواحد لانجلترا وواحد الى فرنسا .... انا شيء متأكد منه اذا اختار التونسيين قيس سعيد فانهم خلال سنوات قليلة سيلتحقو بالكثير من الدول ويتركون الجزائر خلفهم كما تركتنا اليوم روندا التي اصبحت قبلة الاستثمار في افريقيا حيث النمو الاقتصادي 9%.