قالوا العرب.. قالوا

كان ذلك هو صوت الجماهير الشعبية التي هبت كرجل واحد، في الشرق الجزائري، وقررت، في مستهل العشرية الأخيرة من القرن الثامن عشر، التصدي للسلطات المركزية، دفاعا عن “صالح باي” الذي كان حاكمها المتنور وقائدها الراشد الذي برهن، طيلة وجوده في الحكم، على الكفاءة الميدانية والتفاني في العمل والإخلاص للشعب والتلاحم معه.
بقلم :د/محمد العربي الزبيري
تذكرت هذه الأغنية التي ما زالت تنشط الأعراس إلى يومنا هذا، عندما أعلن عن اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة للتداول حول الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لمحو آثار العدوان الهمجي الصهيو/أمريكي على لبنان. وقلت، في نفسي، من يدري؟ لعل هؤلاء المسئولين سيتفقون على قرارات خطيرة لصالح الأمة ويتحول القرار إلى أغنية شعبية تبقى خالدة للأجيال.
كان أمام هؤلاء الوزراء التوقف، مليا، عند القرار 1701 الذي صادق عليه، بالإجماع، مجلس الأمن، والذي سارعت وسائل الإعلام إلى التأكيد على أن الحكومة اللبنانية والكيان الصهيوني قد وافقا عليه وتباعا على وقف “الأعمال العسكرية “. مصطلح غريب خاصة وأن الإمبريالية برؤوسها المدبرة وزندها الضاربة تعتبر حزب الله تنظيما إرهابيا ولا تضفي عليه الصفة العسكرية. كما أن الكيان الصهيوني لم يذكر، مرة واحدة، أنه في حالة حرب مع لبنان. لكنه، في غروره المعهود، أعلن أنه يدخل أراضيه، في جولة سياحية، من أجل نزع سلاح المقاومة واسترجاع الأسيرين وتوفير الظروف الملائمة لتطبيق القرار 1559.
وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يعلن الحرب على لبنان، فإنه أمر، علنا، قواته الجوية والبحرية والبرية بتدمير بنيته التحتية وقتل المدنيين فيه دون التمييز بين النساء والشيوخ والأطفال. ولم تتأخر فضائيات العالم أجمع عن نشر الصور الفظيعة لنتائج الغارات الجوية والقصف المدفعي، لكن ذلك لم يغير من المعطيات شيئا.
فالرئيس “بوش” ظل متمسكا برأيه فيما يخص حق الصهاينة في الدفاع عن أنفسهم وفي اللجوء إلى جميع الوسائل الممكنة للقضاء، نهائيا، على حزب الله الذي “هو ذراع قوية من أذرعة الإرهاب الدولي” . ولأجل ذلك، قرر البيت الأبيض منع مجلس الأمن من التدخل السريع قصد وقف إطلاق النار الفوري، وبالموازاة مع ذلك راح يزود المعتدين بالقنابل الذكية المحرم استعمالها دوليا، ويضاعف الاتصالات بالحلفاء والأصدقاء لتأليب الرأي العام العالمي على حزب الله. أما بالنسبة لمعظم الأنظمة العربية والإسلامية، فإنه أمرها بالصمت المعبر عن الإدانة مع تبرير ذلك بكون “المقاومة لم تستشر أحدا قبل الشروع في مغامرتها المدمرة” على حد تعبير أحد الوزراء النافذين.
والواقع، فإن الإمبريالية بجميع رؤوسها كانت تعلم علم اليقين أن مسألة الدفاع عن النفس ذريعة واهية لأن الكيان الصهيوني هو الذي يحتل مزارع شبعة وهي لبنانية، ويحتل الجولان وهو سوري ويحتل الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية. ومن ثمة، فإذا كان هناك من يحق لهم الدفاع عن النفس فهم إنما المعتدى على أراضيهم والمستعبدة أجزاء من شعوبهم. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا تعرف جميعها أن الكيان الصهيوني يحتجز في سجونه آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين الذين يوجد من بينهم المواطنون العاديون والإطارات السياسية وحتى بعض الوزراء والنواب الممثلون الحقيقيون للشعب. ورغم ذلك، فإن الجيوش العربية لم تبادر إلى اجتياح فلسطين المحتلة ليس عجزا أو خوفا من “الجيش الذي لا يقهر”، فحزب الله قد أثبت عكس ذلك، ولكن لأن الجيوش الحقيقية التي تعترض سبيل الأمة العربية والإسلامية إنما هي أساطيل الغرب الذي يسعى بكل الحيل لإبقائنا في حالة التبعية الدائمة حتى يبقى مسيطرا على ثرواتنا الطبيعية وخاصة منها المحروقات التي يعتبرها، بكل وقاحة، ملكا له وليس من حق شعوب المنطقة أن تستفيد منها.
كل هذه المعطيات لم تكن خافية على رؤوس الامبريالية، كما أنه لم يكن خافيا عليها أن الأنظمة الحاكمة التي تأتمر بأوامرها في المنطقة والتي اعتادت التنفيذ دون مناقشة ودون وقفة مساءلة أو استفسار لم تعد قادرة على تأدية الدور المنوط بها جراء انسداد قنواتها في اتجاه الجماهير الشعبية، ولأن الطلائع الثورية قد تمكنت من إيجاد الطريق الكفيل بإخراج الشعوب من الغيبوبة المفروضة عليها بواسطة الحديد والنار وتزييف الانتخابات.
لأجل كل ذلك كله، كان بإمكان وزراء الخارجية العرب أن يقرروا إنشاء صندوق تصب فيه الدول الثرية ملايير الدولارات ويبقى مفتوحا لأرباب الأموال المسروقة يحولون إليه فقط مقابل ما ينفقون في ملاهي الغرب ومراقصه، ثم يصدر الأمر بالشروع، حينا، في إعادة بناء كل القرى والمدن التي طالتها القنابل الذكية والبليدة على حد سواء. ومن الصندوق ذاته توزع على المتضررين من العدوان مبالغ مالية كافية لتعويض بعض ما أصابهم جراء تصديهم للعدوان بجميع أنواعه.
وكان على وزراء الخارجية العرب أن يقرروا، كذلك، مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار متمم للقرار 1701 يدين، من خلاله، الكيان الصهيوني على كل ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية ويلزمه بالتعويض عنها وبإخلاء الأراضي العربية التي يحتلها عنوة كما يلزمه بالتخلي عن إرهاب الدولة الذي يمارسه تحت مسئولية الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها القاطرة التي تجر باقي الرؤوس الإمبريالية.