-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
 من شيخة طيطمة إلي مريم فكاي

قصص ومآسي مسامعيات غيرن مجرى الموسيقى

فاروق كداش
  • 2563
  • 0
قصص ومآسي مسامعيات غيرن مجرى الموسيقى
ح.م

ندندن “اسختباراهن” ونزف بـ”نقلابهن” ونودع بانصرافهن، نساء غيرن مجرى الحوزي والحوفي والشعبي، وأسسن مدرسة غنائية نسوية، حياتهن لم تكن نهرا راكدا بل واديا هائجا.. جمعتهن الأيام وأصبحن صديقات ومنافسات رغم فارق السن بينهن.. الشروق العربي تسرد حكاوي طيطمة وتروي مآسي يامنة وتقرأ مذكرات مريم.

 طيطمة… عميدة الحوزي التي نفيت بسبب شهرتها

 من يتكلم عن الحوزي النسوي لابد أن يذكر اسم الشيخة طيطمة، التي وضعت القواعد الأساسية لفن الحوزي و”المسمع الدخلي”، عاشت الشيخة طيطمة حياة مثيرة ومليئة بالمآسي، هي من مواليد 1891 بمدينة تلمسان العريقة، بدأت مشوارها الفني بفن “الحوفي”، وهو أقرب إلى هدهدة الأم من الموسيقى كاملة المعالم، غير أنها طورته بفضل ثقافتها ومعرفتها بالمعازف كالعود والكويترة والكمان، التي كانت تتقنها ببراعة شديدة، اضطرت في بداياتها إلى الاستعانة بجوق يهودي.. غير أن صيتها شاع في تلمسان وكل الجزائر وغنت في ما بعد مع الجوق النسوي “الفوارات”، قبل أن تحتك بأسماء كبيرة في عالم موسيقى الحوزي، أمثال الشيخ العربي بن صاري، والشاعر مولاي دريس مدغري، والشيخ محمد ديب. مشاكل الشيخة طيطمة بدأت سنة 1919 وكانت صدمتها كبيرة بعد أن وزعت على كامل تلمسان عريضة لطردها، وبسبب مؤامرات حاكها كبار أعيان المدينة المحافظون أكرهت الشيخة على مغادرة تلمسان إلى فاس المغربية، حيث عاشت لوعة الشوق والفراق، مدة خمس سنوات، عوضتها بالعمل والمثابرة، فقامت بتسجيل نحو ستين أغنية، كتبها شعراء كبار من بينهم المنداسي وبن سهلة وبن تريكي .

بعد عودتها سنة 1925 عملت “الشيخة طيطمة” مع أوركسترا عمر بخشي، كما انضم إليها عبد كريم دالي، وكانت أول من ضم آلة البيانو إلى جوق أندلسي، واستعانت بعازف البيانو العبقري جيلالي زروقي، فتألقت بقصائد لابن المسايب واليعقوبي وأحمد زنقلي .

 كانت الشيخة طيطمة تتنقل بيت تلمسان والعاصمة، وأصبحت نجمة الأعراس العاصمية بلا منازع، بفضل موسيقى الحوزي ولم تنتقل إلى العاصمة إلا في 1952 بدعوة من صديقتيها مريم فكاي وتماني ثم انضمت إلى الجوق النسوي الشهير المكون من فكاي وفضيلة الدزيرية وسلطانة داود أو رينات الوهرانية.

من أشهر ما غنت “لقيتها في الطوافي تسعى” و”نار هواكم لاهب”، وأنهت مشوارها وهي في أوج شهرتها بأغنية “شحال عشت لابد تندم”. وحسب بعض المصادر، كان تسجيل هذه الأغنية الأخيرة صعبا للغاية انتهى بالدموع. كانت الشيخة طيطمة سخية إلى درجة أنها أعطت جزءا كبيرا من ثروتها لخادمتيها وكانت معروفة بزيها التقليدي وبفولار المنديل وحايكها الأبيض العشعاشي، توفيت في 22 أفريل 1962 أشهرا فقط قبل استقلال الجزائر.

المعلمة يامنة أول من غنى رانا جيناك

المعلمة يامنة، القامة الموسيقية التي عبّدت أول بلاطة في مشوار الألف ميل، الذي سلكته مطربات كثيرات، ولدت سنة 1859 واسمها الحقيقي “يامنة بنت الحاج المهدي”، وهو أحد أعيان القصبة، وكانت منذ العاشرة من عمرها تحيي االقعدات النسوية والأعراس ثم تهرع إلى اللعب مع أقرانها لعبة الماريل الشهيرة.. ورغم رفض والدها أن تسلك ميدان الفن، أصرت المعلمة اليامنة على خوض غمار الموسيقى، على يد عمالقة تلك الفترة، مثل الشيخ محمد منمش ومحمد سفنجة وموزينو… وتحصلت يامنة بنت الحاج المهدي على لقب معلمة سنة 1880 بعد تأسيسها لفرقتها وكان عمرها 21 سنة فقط.. قدمت المعلمة يامنة 500 أغنية، وهي أول من سجل أغنية “رانا جيناك” سنة 1912. هذه الأغنية كانت تغنى قبل أن تشتهر بين المسامعيات في أضرحة الأولياء، أمثال عبد الرحمن الثعالبي، وسيدي رمضان، وسيدي محمد‪، لتصبح في ما بعد أشهر أغنية أفراح في الجزائر.

توفيت في الفاتح من جويلية سنة 1933 عن عمر يناهز 74 سنة، ووريت الثرى في مقبرة القطار.

مريم فكاي.. أم المسامع التي حرمت من الأمومة

آخر ضلع في الثالوث الحوزي العاصمي، الشيخة مريم فكاي، التي تربت على الحوزي، وترعرعت على صوتي معلمتيها، المعلمة يامنة والشيخة طيطمة، اللتين جمعتها بهما صداقة وطيدة.

ولدت مريم فكاي في العاصمة عام 1889 ولكنها من أصل بسكري بدأت مشوارها الفني كراقصة في الأعراس والتحقت بكاباريه الجزائر بباريس إلى جانب باهية فرح والمغنية القبائلية حنيفة، ‪ولم تشتهر كمغنية إلا في سن متقدمة بعد أن شكلت جوقها النسوي الشهير، ونافست بشراسة أمام نجمات شهيرات آنذاك، مثل فطوم البليدية، الشيخة زهية، ليلى فاتح، سلطانة داود (اسمها رينات لورانيز) والزهرة الفاسية.

بالإضافة إلى عملها مع محيي الدين بشطارزي وتعرفها على العديد من شيوخ الموسيقى الأندلسية والشعبية في ذلك الوقت من أمثال الحاج محمد العنقى والشيخ عبد الرحمان المداح وغيرهم، كانت أيضا تحيي حفلات عديدة، وكان برنامجها يحتوي دائما على غناء أشعار وقصائد من نوع العروبي والحوزي ونوبات أندلسية، وكان لها الفضل في تدعيم العديد من الفنانين والفنانات الذين جاؤوا من بعدها كفضيلة الدزيرية التي علمتها تقريبا كل أنواع الاستخبارات.

كان بيت مريم فكاي عامرا وكان زوجها عبد الكريم بلسنان نعم الزوج مدة أربعين سنة، غير أن هذا الحب لم يكلل بالذرية، وكان هذا ما يؤرق مضجع لالة مريم.

كانت فنانة قوية تجيد طابع الحوزي التلمساني والعروبي العاصمي، بدرجة عالية في الأداء، من أشهر ما غنت: القلب بات سالي، من هو روحي وراحتي، من كلمات الشيخ الشاعر التلمساني ابن مسايب. توفيت يوم 18 جويلية 1961، قبل أن تشهد هي الأخرى استقلال الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!