قليلا من الرأفة بالأسرة

يبدو أن سياسة الصّدمات التي تتّبعها حكومتنا (الرشيدة) مع رعاياها من الرجال والنساء على حدّ سواء لا يبدو لنهايتها مخرج..
لكن الجديد في هذه السياسة – إن كانت حقا سياسة – هو فتح بؤرة صراع، بلدنا في غنى عنه بصدق.. صراع بين المرأة والرجل كما لم يشهد له مثيلا مجتمعنا من قبل.
فالمرأة عندنا هي الأم – قبل كل شيء – التي كرّمها ديننا الحنيف والتي ينقض إسلام الواحد منا إن تجرّأ على تعنيفها فما بالك بضربها – شلّت يد من ضرب أمّه- وهي البنت التي شرف والدها من شرفها، وهي الأخت التي شرف أخيها شرفها. وهي في النهاية الزوجة التي لا تستقيم العشرة الزوجية من دونها…
فالعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الجزائري خير من مثيلتها في أمم الغرب قاطبة التي يحلم ببلوغ درجتها المستلبون فكريا من أبناء جلدتنا. مايزال الرجل في وفاق مع والديه وزوجته وأبنائه دون إغفال بعض التجاوزات من الرجال نحو النساء، وبعض التجاوزات الأخرى من النساء نحو الرجال.. وكان حريا بحكومتنا أن تنشئ لجانا مشتركة لدراسة وإيجاد العلاج المناسب لمثل هذه التجاوزات ورأب صدعها بدل الاستثمار في تكبيرها وتوسيع رتقها حتى يصعب اندمالها وتكون للمجتمع مستقبلا مثل السرطان، العلاج الوحيد له هو الكيّ والقطع..
طفح الكيل.. عمّمت الحكومة الخدمة الوطنية على الرجال دون النساء اللائي ميّزتهن حتى في مجالس الرجال بنسبة معينة في شكل كوطات غير عابئة بشرع رباني ولا قانون إنساني.. ديدنها ليس المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، ولكن تغليب النساء على الرجال حتى يستعر الصراع.. ولفائدة من؟
علم ذلك عند من أقرّ القانون أو صادق عليه أو سعى في تطبيقه
ولأنه سبق لي أن تقلدت منصب القضاء ولم يسبق لي أن خضعت يوما لأمر فوقي يصادم حريتي ويمس باستقلالي كقاض شعاره الحق ولا شيء غيره، حتى غادرته منشرح الصدر وخالي البال، أعرض على من في قلبهم بعض اللبس حول صلاحية التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات فيما يخص المرأة. فأقول: لقد كنت يوما قاضيا في إحدى محاكم الوطن في ثمانينيات القرن الماضي فعُرض عليّ أمر زوجين بتهمة قيام الزوج بضرب زوجته محدثا لها عجزا طبيا.. حاولت الإصلاح بينهما وطلبت من الزوج الاعتذار لزوجته عمّا بدر منه من تعنيف لا يقرّه شرع ولا قانون، لكن الزوج ركب رأسه فطلبت من الزوجة الصفح عن زوجها حفاظا على مستقبل العشرة الزوجية وعلى الأولاد – وكان لهما أولاد – لكن الزوجة رفضت الصفح وأصرّت على عقاب زوجها..
فكانت القاطعة وحكمت بحبس الزوج لفترة جرّاء إساءة ضرب زوجته العنيف وإيذائها غير المشروع.. بعد فترة من تلك الواقعة رجع الزوجان مرّة أخرى أمامي في دعوى طلاق رفعها الزوج نفسه ضد زوجته. سألتهما في جلسة صلح عقدتها خصّيصا يومها لأجل ذلك: لقد سبق لكما أن حضرتما أمامي قبل فترة من أجل الضرب والجروح العمدية، أليس كذلك؟
أجاب الزوج: وقد أدخلتني سيّدي القاضي السجن بسبب ضربي زوجتي وها أنذا اليوم أطلب الطلاق.. فقلت للزوجة: وما ردّك على طلب زوجك؟ انفجرت باكية وقالت: أرفض الطلاق.. لا أريد تيتيم أولادي.. قلت لها: كان حربا بك أن تستذكري هذا الأمر يوم طلب منح الصفح عن ضرب زوجك لك.. حاولت استعطاف الزوج حفاظا على أبنائه فقال: كيف أعيش سيدي القاضي مع زوجة تسبّبت في إدخالي السجن؟ وكان الطلاق.
لاشك أن هذا التعديل الذي أدخل على قانون العقوبات غير دستوري وغير شرعي وآثاره لن تتأخر في الظهور قريبا.. سيتوسّع الشرخ بين الزوجين وسيكثر تحرّش الذكور بالإناث وستمتلئ المحاكم بالقضايا من هذا القبيل كما امتلأت بقضايا مشابهة بعدما سنّت قوانين مشابهة، وستمتلئ السجون أكثر، في انتظار إصلاح جذري لحال الأسرة بما يوافق الشرع الحنيف الذي يطالب بعض أبناء جلدتنا ذكورا وإناثا باستبعاده كلّية من حياة الناس..
فمتى نثوب لرشدنا ونتّبع هدي نبيّنا في إصلاح أمرنا بدل الجري وراء السراب.