-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

قمّة العبادة ردُّ الفضل كلّه لله

أبو جرة سلطاني
  • 609
  • 0
قمّة العبادة ردُّ الفضل كلّه لله

أعظم درس نستخلصه من هذه القصّة هو أنّ ردّ فضل كلّ إنجاز -مهما كانت ضخامته- إلى المنعم الأوّل –جل جلاله – واستدرار رحمته بالمستضعفين؛ هو قمّة ما يكبر به العظماء في الدنيا وما سوف يجدونه يوم القيامة مكتوبا في سجل حسناتهم: ((فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)) (الكهف: 98)، لا شيء خالد مهما كانت قوّته وقدرته ومتانته.. حتّى الجبال الرّواسي ينسفها ربيّ والسّدود المنيعة يهدمها ربّي.
إذا جاء وعد الآخرة طوى السّماء بيمينه وجعل الأرض قبضته، فانتهت وظيفة السّدود وتمّت تسويتها بأديم الأرض يومها تكتشف البشريّة حقيقة يأجوج ومأجوج وما صنعه ذو القرنيْن لوقف زحفهم. ويومها أيضا يوقن النّاس جميعا أنّ سدود الدّنيا زائلة بعد بنائها والانتفاع بها، فإذا نُفخ في الصّور تهاوت منشآت الدّنيا أمام أهوال يوم القيامة وتفكّك الكون لوعد الله الحقّ: ((وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)) (الكهف: 98).
كلّ ذلك من رحمة الله في دنيا النّاس وفي أخرهم؛ فرحمته لا تردّ وعده، فوعده حقّ لا يتخلّف. ورحمته وسعت كلّ شيء. وهذا أعظم درس في هذه القصّة، فكلّ ما يجري في هذا الكون هو صوّر وأصوات وأفعال وحركات.. صادرة عن نوايا ومعتقدات، والله وحده العليم بحقيقتها وما في الصّدور.
أمّا ظواهرها وصوّرها فباديّة للنّاس، فإذا جاء وعد الله تغيّرت الموازين وتبدّلت الأرض غير الأرض والسّموات ولم يعد المستضعفون في الأرض بحاجة إلى ردْم يحجز عنهم زحف المستكبرين، فالاستضعاف والاستكبار حركات محكومة بالأسباب والسّخْرة والتّذليل والخير والشّر، والحسْن والقبح، والحقّ والباطل، والعدل والقوّة.. وكلّها تكاليف كانت ابتلاءات للنّاس في حياتهم الدّنيا، فإذا نُفخ في الصّور تعطّلت الأسباب وتوارى المكان والمكين ولم يعد أحدٌ بحاجة إلى سخْرة لأنّ المُلك كلّه سوف يعود لله الواحد القهّار.
لكنْ قبل هذا اليوم لابدّ من سعْي وكدح ودفع وجذب وإيمان وكفر ومعروف ومنكر وبناء وهدم.. وكلّها مناشط عيش وتكاليف دنيويّة متروكٌ شأنُها للنّاس يخوضون فيها بما سخّر الله لهم من أسباب وبما مكّن لهم في الأرض: ((وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)) (الكهف: 99)، ترك الذين في مغرب الشّمس والذين في مشرقها والذين وجدهم بين السّدين، وترك سكّان القارّات الخمس في حركة الحياة الدّنيا يعاند بعضهم بعضا بسنن التّدافع.
وترك كذلك يأجوج ومأجوج، ومن في حكمهم من أهل الضّلالة والفساد والطّغيان، تركهم جميعا في خوضهم يلعبون ليقينه أنّ الحياة الدّنيا خوض ولعب وكدّ وجدّ وسعي.. في يوم أو في بعض يوم، لكلّ امرئ فيه نصيبُ عشيّة أو ضحى بدايتها كانت بخلق آدم -عليه السّلام- وزوجه حوّاء -رضي الله عنها- ودخولهما الجنّة، بعد سجدة تكريم، انفصل بسببها منهاج المعصيّة بأنانيّة إبليس عن منهاج الطّاعة. ونهايتها قيام السّاعة وخروج النّاس من أجداثهم للحساب.
• فمن أطاع وتاب وآمن وأصلح عاد مع أبويْه إلى الجنّة برحمة الله وفضله،
• ومن عصى وكفر وظلم عاد مع إبليس (عليه اللّعنة) وحزبه وذرّيته إلى النّار بعدل الله وحكمته.
فعيش البشريّة في الحياة الدّنيا هو لحظة هجرة إلى وجهة الطّاعة الأولى أو إلى وجهة المعصيّة الأولى، ولكلّ فريق وجهة هو مولّيها، وسوف يعود كلّ فريق إلى مستقرّه الأوّل كما يعود كلّ مهاجر، بعد طول تجوال، إلى موطنه ومثواه ونهايته. ولكنّ العودة في الدّنيا مختارة تحكمها عوامل الهجرة والاغتراب وقوانين الإقامة والطّرد والتّرحيل. أما يوم القيامة فالعودة نهائيّة والأمر كلّه لله جبْرًا وقهرًا وخضوعا لا خيّار فيه لأحد: ((يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)) (الانفطار: 19).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!