-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قمّة العرب تتآمر على “حماس”

حسين لقرع
  • 1507
  • 0
قمّة العرب تتآمر على “حماس”

لم تفاجئنا مطلقا قرارات القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في القاهرة يوم 4 مارس 2025؛ فقد سرّبت من قبل إلى الإعلام العربي الموالي لدول “الاعتدال العربي”، فور انتهاء القمة المصغّرة التي عقدها قادة سبع دول عربية بالرياض في 21 فيفري الماضي.

صحيح أنّ القادة العرب رفضوا خطة ترامب لتهجير فلسطينيي غزة، والاستيلاء على القطاع وامتلاكه وتحويله إلى منتجع سياحي، ووافقوا على الخطّة البديلة التي قدّمتها مصر لكيفية إعادة إعماره من دون تهجير أحد من الفلسطينيين، وهذه نقطة محمودة ينبغي أن نشكرهم عليها، إلا أنّ ما أنجزوه بيمينهم أفسدوه بشمالهم، وذلك من خلال دعوة مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار بإرسال “قوات دولية لحفظ السلام” إلى غزة.. والواضح تماما أنّ مهمة “القوات الدولية” المقترحة، هي تجريد “حماس” وباقي فصائل المقاومة من سلاحها الذي وصفوه في بيانهم بصريح العبارة بـ”المعضلة”، ولا ندري كيف يصبح سلاح المقاومة “معضلة” ويدعو القادة العرب إلى نزعه ما دام هناك احتلال للأرض، ورفض صهيوني قاطع لقيام دولة فلسطينية مستقلة؟ لو قامت هذه الدولة، لأمكن الحديث عن حلّ فصائل المقاومة وإدماجها في جيش فلسطيني موحّد للدفاع عن الدولة الناشئة، كما حدث في سوريا قبل أسابيع، أما وأنّ الاحتلال لا يزال قائما، ويزداد تغوّلا وإجراما ونازية، وهو يستعدّ للعودة إلى الحرب لتنفيذ مخطط التهجير، فكيف يتحدّث القادة العرب عن “قوات دولية” مهمتها الأولى نزع سلاح المقاومة؟

نقطة أخرى تحدّث عنها بيان قمة العرب، وهي تدريب الشرطة الفلسطينية في مصر والأردن لدخول غزة لاحقا.. كنّا نودّ لو أشرف العرب على مصالحة حقيقية بين “حماس” والسلطة الفلسطينية قبل الحديث عن عودة شرطتها إلى غزة من دون مصالحة، أي من دون معالجة سبب إخراجها من غزة سنة 2007، بعد صدامات دامية مع “حماس”، وهو إصرار السلطة الفلسطينية على مواصلة “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، وعرقلة عمل المقاومة والتآمر عليها مع الاحتلال، تماما مثلما يحدث إلى حدّ الساعة في الضفّة الغربية.

وإذا أعيدت الشرطة الفلسطينية إلى غزة من دون موافقة “حماس”، فسيتكرّر سيناريو 2007 سريعا، وتطرد منها مجدّدا بمجرّد أن تستأنف “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، وإذا دخلت أيضا “قوات دولية لحفظ السلام” إلى غزة، فستعاملها “حماس” كقوّات احتلال، وقد أعلن العديد من قادتها هذا الموقف بوضوح كامل. ومعنى هذا ببساطة، أنّ قمة العرب قد هيّأت الأجواء لإظهار “حماس” كقوة مارقة ترفض قرارات حظيت بشبه إجماع عربي ودولي.

لو كان القادة العرب يعقلون لوقفوا إلى جانب غزّة ومقاومتها الباسلة بلا تردّد؛ فهي خطّ الدفاع الأوّل عنهم، وإذا سقطت، لا سمح الله، فسيأتي الدور عليهم في إطار مشروع “إسرائيل الكبرى”، لكنّهم لا يحسنون قراءة الأحداث واستشراف مآلاتها، لذلك، يعتقدون أنّ نزع سلاح المقاومة هو الذي سيوقف مشروع التهجير، مع أنّ المقاومة هي التي أوقفته طيلة 15 شهرا من الصمود ولا تزال قادرة على إيقافه إذا تجدّد القتال، لكنّها لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوب التي في الصدور.

في 2 أوت 1990، غزا صدام حسين الكويت، فعقد القادة العرب قمة استثنائية بالقاهرة أصدرت قرارا خطيرا يقضي بالسماح للقوات الأمريكية وحلفائها بالتواجد في دول خليجية للانطلاق منها لتحرير الكويت، وكان من تداعيات ذلك القرار المشؤوم لاحتلال العراق في 2003 وتحويله إلى دولة فاشلة لا تزال غير مستقرّة إلى الآن. وفي فيفري 2011، انفجرت الثورة الليبية ضدّ حكم القذافي، فعقد القادة العرب بعد أسابيع قمة استثنائية منحت الضوء الأخضر للناتو لضرب الجيش الليبي و”نصرة الثورة”، وساعدت هذه الضربات الثوار في إسقاط القذافي، لكنّ ليبيا تحوّلت بدورها إلى دولة فاشلة لا تزال تعاني الفوضى والانقسام وغياب الأمن إلى حدّ السّاعة.

واليوم يجتمع القادة العرب في قمة استثنائية أخرى بالقاهرة لا تجد ضيرا في دعوة مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ قرارا بإرسال “قوات دولية لحفظ السلام”، إلى غزة، لنزع سلاح المقاومة، وقد تكون تداعيات هذا القرار وخيمة على القضية الفلسطينية برمّتها، كما كانت تداعيات قراراتها بشأن العراق وليبيا هي تحويلهما إلى دولتين فاشلتين.

يبدو أنّه قد حان الوقت للدول العربية المساندة للقضية الفلسطينية للانسحاب من جامعة العار والتآمر العربي، فلا جدوى من بقائها في هذا الهيكل الذي تسيّره دول تأتمر بأوامر واشنطن وتل أبيب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!