-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قم فأنذر

قم فأنذر

أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية للإتحاد الأوروبي مؤخرا عن فوز مُلفِت للأحزاب ذات التوجه اليميني عموما واليمين المتطرف في أهم الدّول الأعضاء في الإتحاد كفرنسا وإيطاليا مثلا.

هذه النتائج تستدعي التّوقف عندها نظرا للمآلات التي تُفضي إليها على المستويات السياسية والتّنموية في مستقبل الإتحاد الأوروبي من جهة ومستقبل علاقاته مع باقي أعضاء الأسرة الدولية من جهة أخرى.
والمعلوم عند المتابعين أنّ برنامج اليمين -وخاصّة المتطرف- هو تقديم السّيادة الوطنية ومُقتضياتها على أيّ برنامج جماعي أو اتّفاق في تكتّل إقليمي، وهو أمرٌ في غاية الخطورة والأهمية على المستقبل التنموي الجماعي للإتحاد.
والعمل بهذا المبدأ والقناعة سيكون له انعكاساتٌ كبيرة وأساسية تمسّ سياسات الهجرة، والعمالة، والعيش المشترك، وقد تتعدّاها إلى الحقوق الأساسية للإنسان خاصة أولئك الذين لا ينتمون عِرقيًّا للرجل الأوروبي.
ولن تتوقف هذه الانعكاسات على هذا الحد فقط، بل ستتعدّاها إلى السياسات الخارجية للإتحاد نفسه. ومعلوم أنّ مُشْكل الإتحاد الأوروبي يتمثّل منذ نشأته في إلزام الدول بقراراته وجعلها مقدَّمة على القرارات الوطنية. وقد واجه هذا المبدأ صعوبات جمّة في علاقات دول الإتحاد مع بقية دول العالم خاصة تلك التي تُمثّل معين الموارد والثروات الطبيعية وكذا الدول التي لا تنتمي حضاريا إلى الثقافة الأوروبية.
وكان الإتحاد يعاني من منطقة رخوة في سياساته الخارجية، إذ لا يجد أيّ حل أحيانا إلّا في الارتكاز من جديد على قاعدة أنّ السياسة الخارجية تبقى خاضعة بالأساس إلى السّيادة الوطنية لأيّ دولة حتى ولو كانت عضوا في هذا التّكتل الأوروبي الذي يشكِّل نموذجا وِحدويا في العالم.
يمكن أن نتبيّن خطورة وجسامة تنامي اليمين المتطرف على المستقبل السياسي للدول الأوروبية ممّا عرَفَته فرنسا مباشرة بعد إعلان النّتائج الانتخابية الأخيرة للبرلمان الأوروبي عقب اكتساح التجمع الوطني الفرنسي للنتائج بنسبة 40% من الأصوات، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي على الفور إلى حل مجلس النّواب والدعوة إلى انتخابات برلمانية مُسبقة. ومثل هذا الإجراء نادر الحدوث في تاريخ فرنسا السياسي، ومؤدّاه تحميل الناخبين مسؤولياتهم فيما قد يلحق البلاد من أضرار جسيمة لو أصرّ الفرنسيون على منح ثقتهم لليمين المتطرِّف على المستوى الوطني كما فعلوا مع من يُمثِّلهم في البرلمان الأوروبي.
إنّ الإجراء المُلفت والسريع والحاسم الذي قام به الرئيس الفرنسي يستدعي التّوقف عنده وقراءته قراءة سياسية عميقة، ذلك أنّ التحولات الكبرى التي يشهدها العالم منذ عشرية من الزمن والتي توِّجت بالآثار الكبرى لـ”طوفان الأقصى”، ومتابعة المعركة السياسية الفاصلة للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والتي تنعكس آثارها في المد والجزر مع الساسة الصهاينة، كل ذلك يُنذِر بمستقبل مُقلِق على استمرار القواعد القانونية المُكرَّسة عقب الحرب العالمية الثانية على المستوى الدولي وكذا على مستقبل استمرار الهيمنة الغربية (الأورو أمريكية) في فرض قيمها ومبادئها على بقية الأمم.
يقف العالم اليوم على مفترق طرق حقيقي، والرأي عندي أن تتجنّد الأمم المُخالِفة للغرب حضاريا لفرض موقع لها وتعديل قواعد التعامل الدولي بما يضمن وجودها بتوافق يضمن قيم ومبادئ حضاراتها ضمن نظام دولي جديد أكثر عدالة وأقل استكبارا ووصاية على الآخرين.
إنّ ما نلاحظه من مخاطر فوز اليمين المتطرف في الغرب قد لا يكون بالضرورة ضارا لكل دول العالم، وقد يكون مُحفّزا واقعيا لنزول الغرب من على الشجرة ليعرف أنّه أمّة كغيره من الأمم له ما لها وعليه ما عليها.

(وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!