قهوة ـ حْليب… بالسكر لا بالسياسة

الجزائر هي أكبر مستورد للحليب في العالم بعد الصين، وأول مستهلك للقهوة في العرب، وعاشر مستورد للعالم في السكر الذي به نخلطهما معا… وبدل أن يتركز النقاش بين رئيس الحكومة وأعضائه حول كيفية تطوير استراتيجيات إنتاج الحليب ولِمَ لا القهوة والسكر، يتمحور حول هل نُقدم الحليب للمستهلك في أكياس البلاستيك (صاشيات) أو علب الكارتون! بدل أن يكون سقف النقاش هو كيف نشجع ولاية بجاية مثلا على الاكتفاء الذاتي وندفع بولايات أخرى أن تحذو حذوها، وكيف نمنع مافيا اللحوم من ذبح الأبقار الحلوب، وكيف نقلص الاستيراد كل سنة بـ10 أو 20 بالمائة كما حدث في 2013، وما هي آفاق وصولنا إلى الاكتفاء الذاتي في هذه المادة الإستراتيجية… يوجه النقاش حول كيفيات تقديم هذه المادة المستوردة في علب جديدة مستوردة هي الأخرى إلى المستهلك الذي كاد يُصبح صناعة مستوردة بالنظر إلى ما يأكله وما يلبسه وحتى ما يفكر فيه.
إن المطلوب في هذه الظروف بالذات، هو بعض الهمة، أيها الناس، أكثر من بعض القدرة! ولو كانت همة أمهاتنا اللائي كُن يربين الماعز في البيوت لكي لا يرضعن أبناءهن حليب “فرنسا”. المطلوب هو أن تلد الأزمة الهمة، لا أن تدفع الأزمة إلى مزيد من الوقوع في القشور والشكليات. ليس في القهوة والحليب والسكر فقط إنما في كل شيء في الصحة والتعليم والإدارة وقطاعات الإنتاج.
لو كانت لدينا همة لما أصبحنا نضرب الرقم القياسي في استيراد كل شيء، وأحيانا من البلد الذي كان ذات يوم يعيش على خيراتنا، لو كانت لدينا همة لتذكرنا مع رشفة كل فنجان قهوة أو حليب ومع كل ملعقة سكر نُضيفها أننا نعيش عالة على الآخرين، أننا رغم عددنا الضئيل ومساحة أرضنا الواسعة نستورد قرابة ما تستورده الصين أو الهند، حيث يعيش ربع البشرية! لأن هذين البلدين لم يترددا في أن يرفعا إنتاجهما إلى أعلى مستوى في كل عام حتى أصبحت الهند هي أول منتج للحليب في العالم (17٪ من الإنتاج العالمي) والصين هي ثالث منتج لهذه المادة بزيادة قدرها 18 بالمائة سنويا، بل ونقلت إنتاجها حتى إلى فرنسا في السنتين الأخيرتين.. ويخطط البلدان للقضاء نهائيا على الاستيراد وسيتمكنان من ذلك في السنوات القادمة، وسنبقى نحن مع “صاشيات الحليب” أو “الكارتون” نتصارع، إلى أن تكتفي الصين والهند وتصدران لنا الفائض…
ماذا تريدونني أن أقول بعد هذا سوى أن أترحم على زمن والدتي وكل أم جزائرية كانت تربي عنزة في الدار، وتعاف أن تشرب حليب “الصاشيات”، وأن احتسي فنجان قهوة ـ حْليب بالسياسة.. عفوا، أريد أن أقول بالسكر، مع أولئك الذين هم الآن في المداشر والقرى يربون الأبقار والماعز بالأمل فقط، وبلا سياسة…