-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قِسمة و.. تنصيب

عمار يزلي
  • 476
  • 2
قِسمة و.. تنصيب
ح.م

لم تعرف الولايات المتحدة انقساما وشرخا داخليا كما تعرفه اليوم والرئيس المنتهية ولايته يحزم أمتعته للرحيل عن البيت الأبيض غضبان آسفا، ينازع الرئيس المنتخَب الأحقية في البقاء لفترة رئاسية ثانية مدَّعيا أن الفوز سُرق منه عبر مؤامرة من اليسار الراديكالي.

لقد بدا واضحا أن صعود ترامب متسلقا الجدار الجمهوري إلى سدة الرئاسة، لم يكن من قبيل الصدفة، رغم أنه قادم من أوساط الملاهي والمال العقاري.. لا من الأوساط السياسية التقليدية، غير أن صعوده كان بمثابة صك أمان لليمين المتطرف في تصور أشبه بمحاولة إيصال قائد وزعيم له عبر بوابة السياسة الشعبوية عوض بوابة السياسة المحترفة التقليدية التي تتطلب احترام الأعراف والتقاليد الأمريكية منذ تأسيس الدستور على يد المؤسسين الآباء.

لقد تمكن ترامب من خرق الأصول والتقاليد والأعراف عبر التواصل الشعبي والاعتماد على “الغاية” التي تبرر الوسيلة ومنها البحث عن الإقناع والشحن الإيديولوجي لشريحة هي مشحونة أصلا، ضد الدخلاء والغرباء والأجانب والملوَّنين الذين رفعتهم “الديمقراطية” الأمريكية ومنهم الديمقراطيون، في اعتقادهم، إلى مصاف عليا على حساب لونهم الأبيض وأصولهم التاريخية السيدة حتى قبل الاتحاد بين الشمال والجنوب ونهاية نظام العبودية على يد الرئيس الـ17 أبراهام لينكولن.

كانت الإستراتجية، هي أن يكون ترامب لاعبا لدور الغطاء السياسي لهذه الأقلية المتزايدة، لامتلاكه الجسارة في قول كل ما يريد باستعمال كل الوسائل والتقنيات الاتصالية دون مراعاة الحقيقة والأخلاق السياسية، مما أوجد من ينصتون له من غير المتطرفين أيضا.. مما زاد في شعبية هذا الخطاب القريب من خطاب الشارع، في حين بقي جمهوريو الوسط أقلية يقتربون من اليسار.

لقد تمكن ترامب من إحداث انقسام وشرخ في بنية المجتمع الأمريكي لم يعرفها منذ الحرب الأهلية. كما تمكن من إحداث شرخ في الحزب الجمهوري نفسه وكوّن له تيارا “ترامبيا” خاصا قد يستمر لسنوات في الحياة السياسية وقد يعصف بالحزب الجمهوري ويمنعه من الوصول إلى الرئاسة وحتى إلى الأغلبية في الغرفتين، خاصة إذا لم يسارع الحزب إلى إيجاد مرشح وسطي يمكنه أن يربح القاعدة المتشدِّدة والأجنحة الأكثر اعتدالا، وهو أمر صعب في ظل الاستقطاب الحاد اليوم في الحزب الجمهوري الذي أفقده ترامب الأغلبية في المجلسين وأفقد الحزب منصب الرئاسة.

 يبدو أن نائب الرئيس مايك بنس يحضِّر نفسه لشغل هذا الفراغ الذي قد يتركه ترامب، خاصة إذا ما حوكم هذا الأخير وأدين برلمانيا. غير أن هذا لن ينهي “الترامبية”، لكن سيعطل قدرتها على التمثّل سياسيا ولن يكون بمقدور التيار الأبيض أن يجد زعيما سياسيا يكون بإمكانه خرق القواعد والأعراف كما فعل ترامب مع الحزب الجمهوري ومع القواعد العامة للديمقراطية. سيكون من الصعب التوفيق بين الترامبية وإيديولوجية الحزب الجمهوري التقليدية، كون شخصية ترامب هي في حد ذاتها شخصية شاذة لا يقاس عليها.. وسيكون من الصعب على بنس أو غيره، من القيادات الجمهورية التقليدية أن يستوعبوا التيار الشعبوي الذي أجّجه ترامب بتغريداته وخطاباته التحريضية التي لا تجد لها في قاموس الخطب السياسية نظيرا إلا الخطابات الشعبوية في المعارضة في دولة من دول العالم الثالث..

يغادر بعد يوم الرئيس المثير للجدل والانقسام عالميا وداخليا، يغادر البيت الأبيض على وقع الأنفاس المحبوسة في عدة عواصم ولدى الملايين ممن تمنُّوا نهاية قبل اليوم لحكم غير مأسوف عليه.. ليُنصَّب رئيسٌ جديد.. قد يخفف على أمريكا وعلى العالم وطأة السنوات المجنونة الأربع الماضية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جلال

    اعتقد إن سياسة امريكا لا يحكمها الأشخاص بقدر ما تحكمها مؤسسات فاعلة ونشطة سواء من أصحاب المال والأعمال أو مراكز التفكير والبحث والإستشراف والمركب الصناعي- العسكري والسياسات الخارجية مبنية أولا وقبل كل شيئ على المصلحة الأمريكية وعلى ما يعود بالنفع على الشعب الأمريكي والحفاظ على مستواه المعيشي حتى لا ينزلق الى الفوضى لأن امريكا تعيش على قنبلة شعبية قد تنفجر في أية لحظة إذا فقد الأمان والأمن وقد قيل إذا انقطعت الكهرباء فقط ساعة على مدينة نيويورك مثلا لأصبحت المدينة عرضة للسلب والنهب والفوضى جراء العصابات المتناحرة .إن ماتراه رخاما من الخارج قد يكون سخاما من الداخل

  • محمد

    من كان يقر بأن الديمقراطية المبنية على حرية الشعوب تتمثل في البلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة قد يخيب ظنه عندما يشاهد قوة الجماعات العنصرية المستبدة هناك وفي جميع البلدان لا يختلف فيها شعب من أي لون لما تتوفر له وسائل الطغيان.لدى الشعوب ذات الأصول الأوربية التي خاضت التجربة الاستعمارية روح الهيمنة على الخيرات المتوفرة في أية بقعة من العالم خاصة لما سمحت لليهود(شعب الله المختار) فرصة نشر روح التفوق العنصري على البشرية بجعلها تتحكم في الاقتصاد العالمي.لكن إزاحة ترمب لا تعني انهزام الفكر العنصري الذي تلقى ضربة موجعة بل سوف نرى انبعاثه في صورة أذكى من همجية فتات الكوكسكلان وفي ثوب جديد