-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كابوس النهار

عمار يزلي
  • 1699
  • 0
كابوس النهار
أرشيف

مع حرارة نهاية الصيف، وحرارة الوضع العام مع الدخول الاجتماعي وانتشار الهلع.. والولع.. والتخويف والترهيب من كل شيء بقي جميلا في هذا البلد.. التي هي التربة.. والتراب وما ينتج عنهما من ماء وغذاء ودواء ونفط، وجدت نفسي أصدق الشائعات التي تعمل على ضرب منتوجنا الفلاحي الذي نعمل جاهدين على تطويره للتخلص من التبعية للغرب ولبارونات “الاستوراد”، وجدت نفسي أنساق بعد أن انطلت علي الخدعة أصدق وأعتقد مثل الكثيرين أن الكوليرا.. قد مست الخضر والفواكه وأن هذه الأخيرة هي سبب الوباء وهي من لوثت المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي؟؟ هل يمكن أن نصدق أن الخضر والفواكه المسقية هي من تلوث الجو وتحرق الأوكسجين وتؤثر على الأوزون؟ إنما أنا صدقت.. ربما أنا حمار.. لا أفهم كثيرا.. لكن صدقت ورحت أحرض السكان على الخروج للتظاهر ضد تأخر السكن وضد الكوليرا التي انتشرت وضد الحقرة وضد قلة التربية في المدارس.. وضد الغلاء الاقتصادي والرخس الاجتماعي والظلم الإداري..

لم يفهم أحد كيف رحت أحمل قنينات من سائل لم يعرف أحد ماذا يكون؟ بنزين؟ مازوت، كحول؟؟؟.. لا أحد عرف، وأنا اقترب من البلدية وأهدد بالانتحار على طريقتي. طريقة لم يعرفها أحد من قبل.. طريقة لا تقضي عليّ وحدي، بل تقضي عليهم كلهم.. علي وعلى أعدائي.. وعلى أصدقائي: أنا ومن بعدي الطوفان.. لن أموت وحدي. سأجر معي الآلاف..

كنت أصيح أمام البلدية والقنينة الموقوتة في يدي نصف مفتوحة.. والشعب يتابع. ساعات وأنا أهدر وأرفع صوتي حتى يسمعني مير “راس البير”. قال لي أحدهم ساخرا: ما يسمعكش وما يسمعش بيك.. آآمحمد… راه مبلّع في مكتبه مع وحدة، واعدها بسكن.. راه من نوع مير بلدية “راس الما”.. “بلدية راس البير” أو “راس الماء”.. غير كيفكيف. الماء كله راه موبوء..

لم أسمع له ورحت أنادي رئيس البلدية باسمه واسم رئيس الدائرة بكنيته، والذي لم يكن مقره بعيدا عن البلدية، وكان بمقدور هذا الأخير أن يسمع كلامي، خاصة أني كنت في مكان مرتفع.. من فوق عمارة خاصة، بنيت بمال الكوكايين.. من 10 طوابق.. صوتي الخشن المدوي، كان يكفي لوحده أن يعوض ثلاثة مكبرات صوت.. حتى أن صوت سيارة الإطفاء لم يفلح في خفض صوتي.. فلا يكتم صوتي إلا كاتم الأصوات..

الغريب أنه لم يصعد أحد لتوقيفي أو إنزالي بالقوة العمومية ربما لأنهم فهموا أني لم أكن أنوي الانتحار رميا بنفسي من أعلى عمارة الكوكايين.. هكذا سماها الناس.. لهذا تركوني أصرخ على كيفي. بعدها، فوجئت بالمئات من المقصين من السكن والمغبونين في كل المجالات.. من الصحة إلى الشوماج، إلا الخاسرين في الباك.. إلى قلة التوظيف في الجنوب وفي الشمال.. إلى التعليم المهين.. إلى التعليم المهني بلا مهن.. إلى المرضى إلى بعض الأطباء المضربين مدة عام.. الكل جاؤوا ليساندونني وقد فهموا وعرفوا ماذا أحمل بعد أن أخبرتهم عائلتي: عمار بوزوار قد اكتشف مصدر الوباء..”عين البير”.. الذي يمر نبعه عبر بحيرة البطيخ التابعة للمير نفسه والتي يسقيها بماء الزيقو نتاع البلدية.. عينها.

لقد ملأت جيركان من 20 لترا من ماء الكوليرا وقررت أن أشربه أمام المير إن هو لم يعطني السكن الذي كان سيعطيه بعد قليل للسيدة التي كانت معه في المكتب.. سكن من حقي.. اغتصبه مني هذا المغتصب.. لكل الناس وكل النساء..

عشرات، بل مئات من المهمشين كانوا مثلي يحملون قوارير الماء الملوث ويهددون بانتحار جماعي ونشر الوباء في البلدية وفي البلد وأم من يتلوث به بعدنا هو مير البلدية الملوثة..

لم أفق.. ربما يكون كابوس النهار.. حلما ليليا..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!