كبار السّن وأصحاب الهمم.. قدوة في أداء الواجب الانتخابي
لم يكن يوم الاقتراع عاديّا بالنسبة لفئة كبار السّن والمرضى، والذين وجد كثير منهم أنفسهم متخلفين “استثناء” عن أداء حقهم الانتخابي، بسبب المرض والعجز، وهو ما جعل أفرادا من عائلاتهم ينوبون عنهم. بينما فضل آخرون تحدي الكبر والمرض والإعاقة، للوصول إلى مركز الاقتراع ولو بشقّ الأنفس.
آباؤنا وأجدادنا لم ولن يتخلّفوا عن أداء واجبهم الانتخابي، مهما كلفهم الأمر، بل هم قدوة للشباب والأطفال في حب الوطن والدفاع عنه، وهم من يضيفون نكهة مميزة ليوم الاقتراع، بإصرارهم على الانتخاب، مهما كانت الظروف.
“خالتي سعدية” عجوز في 80 من عمرها من بلدية الشراقة بالجزائر العاصمة، لم تتخلف يوما عن المشاركة في أي استحقاق انتخابي، ولكنها وجدت نفسها مضطرة في انتخابات 7 سبتمبر للبقاء في منزلها مُتحسرة، لأن آلام مفاصلها وصعوبة مشيها لم يسمحا لها بالتنقل إلى غاية مكتب الانتخاب الذي يبعد عنها ببضعة أمتار. ويقول ولدها المتزوج، بأن الوالدة أمضت له وكالة لينتخب بدلا عنها ولكن على “مضض” وبحزن.
أما شيخ آخر وحسب فيديو انتشر له على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء متوكئا على عصاه إلى مركز انتخابي بولاية عين الدفلى، وبعد أداء واجبه الانتخابي وخروجه من مكتب الاقتراع، سأله شباب في الشارع، عن المرشح الذي أنتخب عليه السبت فرد “لقد وضعُت صور المترشحين الثلاثة على رُف أمامي، وبدأت في اختيار أكثر وجه بشوش وطيب وأرتاح إليه..!”.
قصد مكتب الاقتراع على كرسي متحرك
ويؤكد كثير من رواد الإنترنت، بأنّ آباءهم وأمهاتهم، يستعدون وبنشاط ليوم الانتخاب، فينهضون باكرا ويرتدون أجمل الثياب، بل يحمل البعض منهم الراية الوطنية، ويتوجه بها نحو مكتب الاقتراع، غير مُبال بتعليقات بعض الأشخاص “السلبيّين”، لأن الانتخاب بالنسبة لهم هو واجب ودليل على حُبّ الوطن والدفاع عنه، بعيدا عن شخصيات المترشحين.
وحتى ذوي الهِمم شاركوا وبقوة في أداء واجبهم الانتخابي، ومنهم كهل التقطته الكاميرات وهو يدفع كرسيه المتحرك متوجها نحو مكتب الاقتراع بولاية المدية.
والمؤسف، أن كثيرا من الشباب يجهلون أحاسيس كبار السن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية، فيحسبونهم يمثلون أو يبحثون عن مصلحة، ما يجعلهم يتعرضون لهم بالسوء. وهذا ما رصدناه من خلال فيديو لقي تفاعلا واستهجانا كبيرا من طرف الجزائريين.
والفيديو يُظهر شيخا من ولاية وهران، حضر إلى مقابلة الفريق الوطني مع نظيره من غينيا الإستوائية سهرة الخميس، بحيث كان الشيخ يتنقل بين المدرجات للتحسيس بأهمية الانتخابات في مبادرة فردية منه.
والمؤسف أن الشيخ تلقى وابلا من السب والشتم من طرف بعض الشباب، لدرجة أن أحدهم قذفه بقارورة مياه على وجهه.. الشيخ غادر الملعب مستغربا وباكيا على ما حصل له، ومؤكدا في تسجيل نشره لاحقا، بأن ذهابه إلى الملعب كان بمبادرة فردية منه “لأنني أحب وطني، وأدافع عنه بالطريقة التي أراها مناسبة، وكان عليهم احترام كبر سني” على حد قوله.
والغريب أن نفس الشباب الذين تهجموا على الشيخ في الملعب، نشر بعضهم لاحقا صورا التقطوها في الملعب وهم في قمة السعادة مع مُغنيي “الكباريهات” كانوا حاضرين بالمكان.
وحادثة ضرب الشيخ، لقيت استياء كبيرا في الشارع الوهراني وعبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد ما سانده كثيرون، مؤكدين أن الأمر متعلق بحرية الرأي، وكل له طريقته في التعبير عن رأيه، ويجب احترام الجميع.
وفي الموضوع، يؤكد المختص في علم النفس، حسام زرمان في تصريح لـ”الشروق”، بأن فرحة فئة كبار السن بيوم الانتخاب “لا تضاهيها فرحة”، فهم يرون في تأدية واجبهم الانتخابي، دليل على حبهم لوطنهم وسعيهم لتطويره للأفضل، كما يعتبرون عملية التصويت واجب عليهم، لأنهم بمثابة قدوة للشباب وصغار السّن ليأخذوا منهم العبرة.
وأضاف زرمان، أن آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا، لا يفرحون فقط بيوم الانتخاب، بل بجميع الفعاليات والاحتفاليات الوطنية، وكل أمر له علاقة بالوطن وحبه والدفاع عنه، و”التي يرون فيها أملا للتطور والنهوض بالبلاد، وكبار السن دوما نشطون ومتفائلون بشأن المستقبل حتى ولو كانوا مرضى، عكس ما نراه على شباب اليوم من يأس وقنوط، رغم صغر سنهم وتمتعهم بالصحة والعافية” على حد قوله.
وقال زرمان “كبير السن يرى نفسه صاحب مبادئ تفرض عليه المحافظة على وطنه، بأي طريقة كانت، ويعتبر نفسه شخصا كاملا ليكون قدوة لغيره، وعلينا احترام هذه الفئة مهما كانت شخصياتهم”.