-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كرنفال “نصف يوم”!

محمد حمادي
  • 2288
  • 4
كرنفال “نصف يوم”!

الأجواء الكرنفالية التي صاحبت الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ببلادنا، لم تشذ عن القاعدة، وحافظت على الصّورة النمطية، التي ارتسمت في أذهان الجزائريين عن هذا العيد النسوي، الذي تحوّل إلى مجرّد راحة من عناء العمل لنصف اليوم، وموعدا للغناء والرقص على وقع أنغام “أعطاتني هدية باش نتفكرها”؛ فضلا عن غزو المراكز التجارية والحدائق وفضاءات التسلية. لكن أين نحن من “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيّب الأعراق”؟ أم أننا أصبحنا نتذكرها فقط في النجاحات، مستحضرين شعار: “وراء كلّ رجل عظيم امرأة”، ونلصق بها كلّ خيبات مشوار الحياة؟

 جميل أن نُكرّم المرأة الجزائرية في عيدها تقديرا واحتراما لها؛ فنغدق عليها الهدايا والورود وكلمات الشكر والثناء، لكن الأجمل أن نُذكّرها بمكانتها الحقيقية في المجتمع، كأم ومربية ومعلّمة ومحامية وطبيبة، تقود قاطرة الرقي والتطور في هذا البلد، على وقع النجاح والتألق في كل الميادين، التي اكتسحتها حواء؛ فأثبتت جدارتها وأحقيتها في تبوء مناصب، لطالما كانت حكرا على الرّجال فقط؛ وها هي تسترجع كل عام يوم الثامن مارس وفي فؤادها ألف ذكرى من هذا العيد، محاولة إيجاد محلّ لها من الإعراب في وطن أضحى ساكنته يتنفسون هواء البؤس والشقاء واليأس وكافة صنوف الانحطاط.

نحتفي بعيد المرأة هذا العام، والآلاف من الأسر الجزائرية مفككة، بعد ما نسف الطلاق رابطة شرعية مقدمة اسمها الزواج؛ فكانت الحصيلة مرّة كالعلقم، يتذوقها مئات الآلاف من الأطفال المصدومين والمشتتين فكريا ونفسيا؛ فاكتوى المجتمع برمّته بمختلف الآفات، التي سرقت منه السّكينة والطمأنينة، بعد ما استقالت المرأة من أداء دورها التربوي؛ وهي التي تعدّ النواة الرئيسية للأسرة.

نستحضر ذكرى الثامن مارس، وآلاف من النسوة في السجون، بعد ما دخلن عالم الإجرام من أبوابه الواسعة، بسبب جرائم القتل والمخدرات والسرقة، وقضايا الآداب العامة… وما خفي كان أعظم وأخطر وأعقد!

يعود العيد العالمي للمرأة، والنساء الجزائريات يضعن مواليدهن أمام عيادات التوليد، وهناك من يمتن قبل بلوغها، وأخريات ذهبن ضحية الإهمال وسوء التكفل الطبي داخل مستشفيات، أصبحت عنوانا للموت بدل الحياة.

نسترجع عيد حواء، وقد هبّت رياح الفكر المتشدّد على المرأة الجزائرية، فألبستها ثوب الكائن المنغلق والمنطوي على نفسه، والملتزم بقواعد التديّن “المزيّف”، في حين لم تسلم من أعاصير الحداثيين والعلمانيين، الذين حاولوا بكل ما أوتوا من أفكار مستوردة، تجريدها من هويتها الإسلامية، عبر بوابة حقوق المرأة وضرورة تحقيق المساواة مع الرجل في كل شيء، حتى في الميراث الذي فصّله القرآن تفصيلا؛ فلم يبخسها حقوقها وحدّد لها واجباتها.

المرأة الجزائرية، هي الأسرة، هي المدرسة، هي الثورة على الجهل والفكر الظلامي، هي صانعة الأجيال، هي التي تعدّ آلاف الباحثات والمخترعات، والنابغات في العلوم  والداعيات والمرشدات، والمبدعات في كلّ المجالات، اللائي ينبغي أن يحملن راية العلم والمعرفة والتربية والتطور ليسهمن في بناء هذا البلد، الذي يحتاج إلى كفاءاته  سواء كانوا رجالا أو نساء، لذلك لا بدّ من حماية المرأة من كل أشكال الابتزاز والتلاعب والاستثمار في مشاكلها النفسية والعاطفية والاجتماعية، وتفعيل دورها في جميع الميادين، بعيدا عن الاحتفالات الكرنفالية، التي تحطّ من قيمتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • بدون اسم

    .. "هبت رياح الفكر المتشدد" ، نفهم من كلامكم أن اللباس المحجم للعورات ، والذي يسمى بالحجاب المتبرج ، هو الاصل كما هو حال الكثيرات ، فإما لباس فضفاض وإما لباس ضيق يصف ويشف ، ولكل وجهة هو موليها ، على كل حال العودة إلى الاصل فضيلة ، كيف كان لباس الجدات اللائي استعصى أمرهن على المسخ والفسخ الإستدماري ؟. من هنا نبدأ لكل من اجتهد في في مورد النص .

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    .. الاحتفال هاد العام يختلف عن سابقيه ،
    .. ايام الزمن الجميل - يقول عيد النسا -
    ..أتذكر جيدا كانت العائلات تنظم " قعدة عائلية أصيلة خاصة-
    تحضر بعض الحلويات التقليدية ويجتمعن في بيت واحد على مائدة واحدة ،
    كل وحدة وحكايتها، وكانوا يذكروا ويحكوا على النسا الفحلات أنتاع بكري ،
    من بينها مثلا (يا حسراه على القايدة حليمة مين كانت على ديدانها مع ذكر أعمالها وخصالها وو.. الخ
    وشكرا

  • بدون اسم

    لقد دعيت لحفلة رقص مثل بقية النساء لكني لم اذهب لاني لا ارقص حتى في الاعراس واعطاونا قطعة حلوى وقارورة عصير اين اعمل ووعدونا بهدية .

  • فضيلة

    بارك الله فيك، كلام جميل و تحليل صائب، حبذا لو يفهمه من يتخذون من موضوع المرأة وسيلة فقط لتحقيق مطامع من كل نوع