كشوفات النقاط.. تلاميذ متوجسون وأولياء يتوعدون!

بعد معاناة الأولياء مع أبنائهم أيام الامتحانات المدرسية، حيث تحول الكثير منهم إلى أساتذة في البيوت، وصل موعد تسليم كشوفات النقاط، وحصد النتائج، حيث يلتقي الخميس الأولياء مع المعلمين وجها لوجه لتقييم أبنائهم واستلام المعدلات الفصلية، وبين متوعد بالعقاب ومبشر بالمكافآت، تتفاوت ردود أفعال العائلات تجاه أبنائهم المتمدرسين، خاصة أصحاب النقاط والمعدلات المتوسطة والضعيفة.. وفي هذا الموضوع، ينصح المختصون في علم النفس التربوي ببعض النصائح المفيدة للتعامل مع هذه الحالات، بعيدا عن الضرب والتوبيخ والعقاب..
تُعتبر لحظة تسلم كشوف نقاط التلاميذ عبر مختلف الأطوار التعليمية، من طرف أوليائهم، مرحلة مصيرية وشاقة على البعض، يفرح بها كثيرون ويتألم منها آخرون، بحيث انتهت اختبارات الفصل الدراسي الأول، وسط توقعات تربوية بتسجيل نتائج بين حسنة وجيدة لتلاميذ الطورين المتوسط والثانوي، لتكفل مفتشي المواد بالتغيير في نمطية الأسئلة المطروحة، عن طريق العودة إلى النمط الكلاسيكي، الذي يركز بالدرجة الأولى على المواضيع المباشرة والخالية من الترميز والغموض، والأمر زرع نوعا من التفاؤل في نفوس الأولياء، الآملين دوما أن يكون أبناؤهم من المتفوقين.
ولأن المدرسة فيها المجتهدون وغير المجتهدين، فنقاط الفروض والامتحانات تتفاوت من تلميذ لآخر، بحسب قدرات كل واحد منهم.
عدم تحميلهم أكثر من قدراتهم العقلية والاستيعابية
ستعمّ الفرحة بيوتا ممن تحصل أبناؤهم على نقاط بين الجيدة والممتازة، بينما تدخل أخرى في حالة حزن وحتى صدمة، بسبب النتائج الضعيفة، وهو ما يجعل سلوك الأولياء في أثناء موجات الغضب يتفاوت بين التعنيف اللفظي والحرمان من بعض المغريات، وصولا إلى الضرب الجسدي، وهذا ما يؤثر سلبا على كثير من الأطفال، ويجعلهم يمضون أياما وهم يفكرون في العقاب التي ينتظرهم، في حال لم يتحصلوا على النقاط المطلوبة.. بل يفكر البعض حتى في الهروب والتخلص من حياته عن طريق الانتحار، بحيث سجل المجتمع الجزائري السنوات الأخيرة، عديد حالات الانتحار والهروب بين أطفال صغار ومراهقين، هروبا من ضغط أوليائهم بسبب تحصيلهم الدراسي السيئ..
والظاهرة خطيرة، بحسب تشريح مختصين في علم النفس التربوي، ما جعلهم يحذرون ومع كل اقتراب لتسلم كشوف النقاط، من خطورة تحميل العائلات أبنائها أكثر من طاقاتهم وقدراتهم العقلية، لأن الضغط الرهيب ودفع التلميذ نحو التفوق ولو بالغصْب، يؤدي دوما إلى نتائج عكسية وخطيرة.
وفي هذا الشأن، يُحذّر المختص في علم النفس التربوي، حسام زرمان، من التعامل “غير المدروس” مع أطفالنا في حال حصولهم على نقاط أو معدلات سيئة في الامتحانات، خاصة وأن تلاميذ الطورين المتوسط والثانوي هم مراهقون قد لا يتقبلون الانتقادات الحادة والمتواصلة من طرف أوليائهم، بحيث لابد لهم من معاملة خاصة ومدروسة، أما تلاميذ الطور الابتدائي، فهم أطفال لا تزال قدراتهم العقلية في طور النمو، ولا يجوز توبيخهم أصلا، بل التعامل معهم بحكمة.
وقال زرمان في تصريح لـ”الشروق”، بأن أول سلوك سلبي، يقدم عليه كثير من الأولياء، خاصة الأمهات، بمجرد تسلم كشوف نقاط أبنائهم، “الفاشلين”، هو السؤال عن معدلات أبناء الجيران والأقارب، وبمجرد علمهم بتفوق هؤلاء على أبنائهم، تبدأ المقارنات بين الأطفال، ويسمع التلميذ غير الناجح وابلا من الانتقادات وبأن غيره أفضل منه، أو أن يتم نعته بأوصاف مثل “الحمار، الحابس، راسك فيه الحجر..” أو تذكيره بما صرفوه عليه من أموال في الدروس الخاصة، التي كانت “خسارة فيه”، على حد قوله.
فمقارنة الأطفال الراسبين بنظرائهم الناجحين “يعتبر سلوكا خاطئا وخطيرا على الصحة النفسية للتلميذ، الذي قد يجعله يفكر في الهروب من المنزل أو الانتحار إذا زاد اللوم عن حده، لأنه يدخل في حالة تسمى تدنّي الذات التي تتبعها الصدمة”، على حدّ قول زرمان.
الطّفل قد يعاقب والديه بفشله
وشدد المتحدث، على العائلات بضرورة تجنب توبيخ طفلهم الراسب مباشرة بعد ظهور النتائج، لأنه يكون تحت وقع الصدمة “بل لابد من الانتظار لبعض الوقت، بعدها نفكر في أفضل الطرق السليمة للتحدث مع طفل أو مراهق، وإظهار أخطائه”.
وعائلات أخرى، تحرم أطفالها المتحصلين على نتائج غير مقبولة في الامتحانات، من أمور كانوا متعودين عليها سابقا، مثل الحرمان من الخروج ومن النزهات ولقاء الأصدقاء، حرمانهم من الهواتف الذكية أو قطع الإنترنت عنهم..”
وقال المتحدث عن هذا السلوك بأن “العتاب والعقاب لن يفيد، لأن التلميذ رسب وانتهى الأمر، بل يجب مناقشة الأسباب الحقيقية لتراجع نقاطه أو عدم تطوره، للعمل على إصلاحها مستقبلا”.
ويحذر المختص في علم النفس التربوي، من خطورة سلوك معاقبة الطفل بحرمانه من أشياء يحبها دفعة واحدة، بل لابد من التدريج في عقاب الحرمان، لأن الحرمان المباشر يؤدي إلى تعنت الطفل أكثر، وإصراره على الفشل مستقبلا وكأنه يعاقب والديه على حرمانه من الأشياء التي يحبها.