-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بمناسبة تكريمه في احتفالية مؤسسة التميمي

كلمة المجاهد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في تونس

بقلم: أحمد طالب الإبراهيمي
  • 637
  • 0
كلمة المجاهد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في تونس

أزكى التحيّات وأطيبها أزفها لكم بكلّ الودّ والمحبة والوفاء من الجزائر إلى تونس الشقيقة وطني الثاني، وليس من باب النسب والجوار فحسب، بل بالتعامل لمدة عقود من الزمان مع النخب التونسية في المنظمات الطلابية وفي الحركات التحررية وفي تقلد المسؤولية بعد الاستقلال.

إلى الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، لكم كل التقدير والشكر والعرفان لما قدّمتموه في مجال البحث وكتابة التاريخ الصحيح وإحياء التراث المغاربي، وجعلتم من مؤسّستكم منارة علم عرفت بغزارة الإبداع والإنجاز والنجاح، فكنتم نعم الباحثين الموفقين الذين يحملون بكفاءة وإخلاص أمانة نشر المعرفة، ويحرصون على تقديم كلّ ما هو نافع ومفيد للباحثين والأجيال الصاعدة، فجزاكم الله عنا أفضل ما جازى به العلماء المخلصين.

شاكراً لكم هذه الالتفاتة النبيلة، وسعيد جدا وفخور بهذا التكريم، ولا أتقبله لشخصي بل اعتبره تكريما للنهج الذي سرت عليه منذ أن بلغت مرحلة الوعي والإدراك، وهو النهج الذي كان والدي الشيخ البشير الإبراهيمي قد شقَّه في الحركة الإصلاحية وفي جمعية العلماء الجزائريين مع إخوانه الراسخين في العلم، وعلى رأسهم الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، وكان المشوار شاقا من تحرير الأذهان إلى تحرير الأوطان، وكان سعيهم مشكورا، عليهم جميعا سحائب الرحمة والمغفرة والرضوان.

وخير تكريم لهم اعتزُّ به ما بادر به الإخوان في تونس العاصمة وتحديدا في حيّ الخضراء الجميل حيث يلتقي في زاوية شارع عبد الحميد بن باديس وشارع البشير الإبراهيمي.

وأرجو أن تتقبلوا خالص اعتذاري وأسفي الشديد لعدم تمكُّني من الحضور والتواجد في احتفالكم الكريم، فقد بلغت من السِّن ما يستحيل فيه السفر، فأصبحت أكتفي وأسعد باستقبال من يطيب له زيارتي من الأقارب والأحباء في منزلي، لكم مني كل الاحترام والتقدير.

لم أتوقف طوال حياتي عن القراءة والكتابة، كما أنَّني لم أتوقف عن التواصل مع الإخوان التونسيين ومنهم رجال العلم والأدب والدولة، فماذا أقول والماضي حاضر بأحداثه وشخصياته؟ تتدفق الذكريات، وكلها مرتبطة بمراحل ومواقف في تاريخ الحركات التحررية وبناء دولنا الوطنية.

لكن قد يطول الكلام وتخونني الذاكرة فتغيب بعض الأسماء رغم وزنها وقيمتها، وأصبح بالتالي مقصِّرا في أداء الرسالة.

لم يكتف الحاج الحبيب اللمسي بالنشر، بل عكف على جمع الكتب حتى وصل إلى إنشاء مكتبة كبيرة تضم 100 ألف كتاب، ومن بينها الكثير من النوادر والكتب القيمة والمخطوطات والدوريات، وأوصى بتسليمها إلى المكتبة الوطنية التونسية التي أصبحت بهذا التبرُّع أضخم مكتبة عربية. ونَفْعُ الناس بالعلم في قمة الأعمال الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: “أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس”.

ليس المقصود من هذا المقام استحضار الذكريات، بل يستوجب الكلام تكريم من قضوا حياتهم في تكريس العلم من أجل بناء المغرب العربي، وأخصُّ بالذكر تقديري للأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي والفقيد الحبيب اللمسي.

اشتغل الأستاذ الدكتور الأستاذ الدكتور عبد الجليل تميمي على إحياء تاريخ المغرب العربي في فترة ما بعد ابن خلدون، فأزال الستار على ما حاول الغرب المسيحي أن يخفيه في نكبة المسلمين في الأندلس وإبادة المورسكيين. كما عكف على إدانة أكاذيب المدرسة الاستعمارية فيما يخصُّ الحقبة العثمانية وإظهار الحقائق التاريخية، إذ لعب المغرب العربي دورا محوريا في الإستراتيجية العثمانية لكسر الهيمنة المسيحية في غرب البحر الأبيض المتوسط.

بعد تحويلها من مركز الدراسات والبحوث العثمانية والموريسكية والتوثيق والمعلومات إلى مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، أنجزت هذه المؤسسة أعمالا هائلة: إنشاء مكتبة ثرية وإصدار مجلات متخصصة وتنظيم المؤتمرات العلمية ونشر الكتب.

ولا ننسى أبدا فضل الأستاذ الدكتور عبد الجليل في إحياء الذاكرة الجزائرية، وله منا كل الشكر لما خصه من بحث في جهاد أحمد باي ضد الغزو الفرنسي. جاء هذا البحث القيم في سياق ما فكر فيه الرئيس هواري بومدين من إنجاز نصب تذكاري تكريماً لكبار الشخصيات في تاريخ الجزائر، وأوّل ما قام به هو نقل رفات الأمير عبد القادر من دمشق لإعادة دفنه في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة وكان ذلك في يوم 5 جويلية من عام 1966.

رحل عنَّا المرحوم بإذن الله تعالى الحاج الحبيب اللمسي منذ ثمانية أعوام وبقيت آثاره، فكان المجاهد المجتهد في إحياء التراث المغاربي، وأسس لهذا الغرض في بيروت “دار الغرب الإسلامي” التي قامت بجمع ونشر أمهات الكتب للفكر المغاربي القديم والحديث، وتمكَّن من إصدار 500 عنوان من روائع التراث الأندلسي والمغاربي في الأدب والتاريخ والعلوم الدينية، وتميَّزت مطبوعات دار الغرب بالمستوى العالي في نوعية الورق والتجليد، ولعل أكبر عمل أنجزته هو كتاب “التاريخ الإسلامي” للذهبي الذي يتألف من 19000 صفحة في 17 مجلدا. وهو بذلك يستحق بكل جدارة لقب “شيخ الناشرين العرب” بالإضافة إلى كل علامات التقدير والعرفان التي حضي بها طوال حياته في تونس وفي العام العربي.

وكان إحياء التراث الجزائري من أولويات الحاج الحبيب اللمسي، فباشر في نشر “المعيار المعرب” للونشريسي، وآثار الشيخ البشير الإبراهيمي، وآثار الإمام عبد الحميد ابن باديس، ومؤلفات الدكتور أبي القاسم سعد الله، ومجلة الشهاب للإمام ابن باديس، وجرائد جمعية العلماء، كما نشر لعديد المؤلفين الجزائريين المعاصرين.

ولم يكتف الحاج الحبيب اللمسي بالنشر، بل عكف على جمع الكتب حتى وصل إلى إنشاء مكتبة كبيرة تضم 100 ألف كتاب، ومن بينها الكثير من النوادر والكتب القيمة والمخطوطات والدوريات، وأوصى بتسليمها إلى المكتبة الوطنية التونسية التي أصبحت بهذا التبرُّع أضخم مكتبة عربية. ونَفْعُ الناس بالعلم في قمة الأعمال الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: “أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس”. نسأل الله أن يرحمه وأن يجزيه عن خدمة التراث خير الجزاء.

ولا أترك هذه الفرصة الثمينة تمرُّ من دون أن أعرب عن أمنيتي أن تنشأ في الجزائر جائزةٌ تشرف عليها مؤسسة علمية لمكافأة باحثي المغرب العربي المهتمين بإحياء التراث الفكري المغاربي، وقد تحمل هذه الجائزة اسم العلامة ابن خلدون. وأقترح أن يكون أوّل الفائزين الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي والفقيد الحاج الحبيب اللمسي.

وخلاصة القول أقتبسها من خاتمة الجزء الرابع من مذكراتي وأنا أخاطب الشباب: “أخيرا، توجد نصيحة أخرى لا تقل أهمية، لا تنسوا بناء وحدة المغرب الكبير. إنّ الوحدة الجغرافية والثقافية والدينية والاجتماعية واللغوية لمنطقتنا واقعٌ ثابت لا يتغيّر. يبقى تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية، لقد حَلُم بهذه الوحدة العزيزة الجيلُ الذي سبقكم، وهي ضرورة قصوى لشعوب المنطقة التي تطمح إلى السِّلم والأمن في كنف الحرية والعدالة الاجتماعية. لهذا، يهمُّكم تحقيقُ هذا الحُلم وتجسيد هذه الطموحات لتجعلوا المغربَ الكبير منطقة رفاهية متقاسمة، مع دعم موقعه الاستراتيجي كخط وصْل بين المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا الساحلية.”

من لم يشكر الناس لم يشكر الله، وشكرُ من أحسن العمل والمعاملة من محاسن الأخلاق، وشكري لا يكفي أن يوفيكم حقكم، بارك الله فيكم جميعا وجزاكم خير الجزاء، وفقكم الله وحفظكم وزاد من تفوُّقكم ونفعكم ورفع قدركم.

وأختم قولي بما كان يردده الشيخ البشير الإبراهيمي “من التحيات المباركات الطيبات: أحييكم تحية الأبوّة للبنوّة، وتحية الشيخوخة للفتوّة، وتحية الضعف للقوّة”.

دامت الأخوّة الجزائرية التونسية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!