-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كلنا في الهمّ شرق!

كلنا في الهمّ شرق!

التهمة “اللازمة” التي تردّدت في كل ملفات أفراد العصابة، والمتابَعين حاليا في قضايا الفساد في الجزائر، هي جنحة إساءة استغلال الوظيفة، وهي جنحة يمكنها أن تجرّ مرتكبها إلى السجن، وتزج به في غياهبه لمدة تتراوح ما بين السنتين والست سنوات.

لا أظن أن غالبية الجزائريين كانوا يعلمون بأن إساءة استغلال الوظيفة حتى ولو تعلق الأمر بربّ العمل في قطاع خاص، هو جريمة ضمن جرائم الفساد، بل ولا أظن أنه يوجد من عمل وترأس شركة أو حتى قسم صغير من دون أن يرتكبها، وعلى هذا المنوال نكاد نجزم بأن سجنا بحجم وطن، قد لا يكفي لاحتواء مرتكبي هذه الجريمة التي بنت لنا سلطة ممزقة وبالية، مثل حذاء أبي القاسم الطنبوري.

ولو بحثنا في أرجاء الوطن عن مسئول صغير أو كبير لم يسئ استغلال الوظيفة، لتعبنا وربما كنا كمن يبحث حافي القدمين، عن حبّة دقيق، في يوم ريح عاصف، في صحراء شاسعة.
وإساءة استغلال الوظيفة، ليست مقتصرة في الحصول على مزية غير مستحقة وهي الرشوة، وإنما أيضا في توظيف من لا يستحق، حتى ولو كان الابن أو الشقيق أو الزوجة، وفي منح مرتبات كبيرة لبعض العمال، ومنعها عن آخرين بطريقة غير عادلة، وفي تحويل المشاريع لفئة معيّنة من الناس دون من يمتلك الكفاءة، حتى ولو تحقق ذلك لأسباب اجتماعية أو عائلية.

وسنغرق في العدّ والحساب، لو قدمنا نماذج لا تنتهي من إساءة استغلال الوظيفة في مجتمعنا، والتي سقط في محظورها بعض الأئمة ونظراء الأوقاف من الذين منحوا “مهنة” رفع أذان الصلاة لمن لا يستحق، وكثير من مدربي الكرة من قهروا مواهب على حساب لاعبين يصدمون المتفرجين طوال الموسم الكروي، وتجار وظفوا في محلاتهم أبناءهم وأشقاءهم من الذين لا علاقة لهم بالتجارة ولا باللباقة فكان خبزنا وحليبنا وفاكهتنا دون سلع العالم، ومستفيدون من دون حق من أراض فلاحية جعلوها جرداء وقاحلة بأيدي معارفهم. والجزائريون يُجمعون على أن ما تمتلكه الجزائر حاليا من موظفين في القطاعين العام والخاص، في غالبيتهم وصلوا إلى مناصبهم على نهج، إساءة استغلال الوظيفة، ولن ينتقدنا أحد لو تجرّأنا وقلنا جميعهم!

صحيح أن الجريمة درجات، ووضع وزير للتربية في غير موضعه، أكثر ضررا من منح رجل، منصب أستاذ تعليم ابتدائي وهو لا يستحقه، ولكنهما تلتقيان في نفس الجنحة وهي إساءة استغلال الوظيفة. وإذا كان جهاز القضاء قد اختار في محاربة الفساد، البداية من الرأس فأدخل رؤوس الفساد أولا رهن الحبس، وأتبعهم برؤساء حكومة ووزراء ورجال أعمال، قبل أن ينتقل إلى بقية الولايات الداخلية، فإن هذا لا يعني بأن جنحة إساءة استغلال الوظيفة قد توقفت، والشباب الذي يطلب عملا خاصة من خريجي الجامعات مازال يشرب من كأس هذه الجنحة وربما بجرعات أقوى الآن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!