كل الجزائر في حاجة إلى نفس جديد وليس المنتخب فقط..

الإقصاء المنتظر للمنتخب الوطني من نهائيات كأس أمم إفريقيا 2012، أعاد إلى الواجهة ذلك الحديث البيزنطي الممل عن المدربين واللاعبين، المحترفين والمحليين، وأعاد الحديث عن محدودية مستوى لاعبينا!! ونهاية مرحلة في حياة المنتخب تقتضي التغيير!! وبعث نفس جديد في التشكيلة وطريقة لعبها لأن صلاحيتها انتهت ويجب الاستغناء عن بعض العناصر!!
- وحتى وإن كانت بعض الانتقادات والملاحظات من أصحاب النيات الحسنة في محلها وتستوقفنا جميعا، فإن بعض الإعلاميين والمدربين واللاعبين السابقين ” البطالين” وجدوا الفرصة للعودة إلى الواجهة على صفحات الجرائد بتحاليل سطحية تجاوزها الزمن، نشم فيها رائحة الذاتية والتشفي والانتقام أكثر من الواقعية والصراحة!! حتى أن المناصر والمواطن البسيط صار أكثر وعيا بضرورة التغيير في كل شيء وليس فقط في طريقة لعب المنتخب وبعض اللاعبين الذين انخفض مستواهم وتخلت عنهم نواديهم، بل في صحافة رياضية تمارس التضليل أو التطبيل بامتياز، وبطولة لا تنجب اللاعبين و لا المدربين، ومسيرين فاشلين تجاوزتهم الأحداث، وسلطات عمومية عاجزة تتفرج على شباب ضائع وعلى حركة رياضية ميتة وجمعيات رياضية وشبانية تائهة..
المتتبعون من البسطاء الذين لا تسمع أصواتهم، ذهبوا في مطالبهم إلى حد اقتراح إلغاء وزارة الشباب والرياضة لأنها حاضرة غائبة، لم تتمكن من توفير ملعب يتدرب عليه المنتخب، ولا مركز رياضي لتحضير المنتخبات الوطنية، ولم تبن ملعبا جديدا منذ عشرات السنين رغم التزامات ووعود الرئيس ببناء ملاعب في براقي وسطيف وتيزي وزو ووهران، ووزارة تسير بإطارات وقوانين تجاوزها الزمن، وممارسات لا علاقة لها بمتطلبات ومقتضيات الشبيبة والرياضة على حد سواء، حتى أنك لا تشعر بوجود سلطات عمومية تهتم بالشباب والرياضة..
مشكلة المنتخب والكرة الجزائرية ليست فقط في طريقة اللعب ومستوى اللاعبين وأدائهم وإقصائهم من نهائيات “الكان”، بل هي في النوادي والمرافق وغياب التكوين ونقص المسيرين والمدربين الأكفاء، وعدم تجسيد كل الوعود التي قطعتها الدولة على نفسها تجاه الاتحاديات والنوادي والجمعيات ورياضة النخبة والمدرسية والجماهيرية.
ومشكلة الرياضة ليست في كرة القدم فقط بل في كل الرياضات التي تعاني من التهميش والإهمال ونقص الموارد والمرافق والإطارات، ولو سلطت عليها الضوء صحافتنا الرياضية لوجدتها في أسفل السافلين من حيث العناية والاهتمام والمتابعة.
أما مشاكل الشبيبة فهي أكبر من المنتخب والكرة والرياضة، وأكبر من الوزارة في حد ذاتها، لأنها مشاكل أخلاقية وتربوية وتنظيمية، ومشاكل في التأطير والتكوين والتوظيف والسكن والحرية والكرامة. وأم المشاكل تكمن في عدم قدرتنا على فهم حاجيات أبنائنا المتزايدة وعدم قدرتنا على التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
التغيير في الجزائر يجب أن يكون جريئا وشجاعا وشاملا في الحقل الرياضي لأن الذي يحدث في نوادي كرة القدم وما يعانيه أبناؤنا في مختلف الرياضات لا يمكن قبوله في بلد من حجم الجزائر صار يشارك شبابه من أجل المشاركة في بطولات العالم لألعاب القوى والجيدو والسباحة والملاكمة دون طموح وقدرة على تتويج. والاتحاديات الرياضية المختلفة صارت تتسول من أجل تسيير شؤونها والمشاركة في دورات ومنافسات دولية، ولا تجد القاعات والميادين التي تتدرب فيها، وميزانياتها أدنى بكثير من ميزانية فريق كرة القدم من الدرجة الأولى، وقوانينها العامة أكل عليها الدهر وشرب، وسترون النتائج في الألعاب الإفريقية الجارية في مابوتو بالموزمبيق، وبعدها في الألعاب العربية المقررة في الدوحة، ثم في الألعاب الأولمبية الصيفية القادمة.
عندما تأهل منتخب كرة القدم إلى المونديال كان بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، وأخفى مؤقتا كل عيوبنا ومساوئنا بما في ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعندما تساقطت أوراق الشجرة انكشفت الحقيقة، وبدأنا نتحدث عن التغيير والتجديد دون تحضير البدائل.
كل الجزائر صارت بحاجة إلى نفَس جديد وليس المنتخب وكرة القدم ومختلف الرياضات، لأن العجز صار شاملا لكل القطاعات والمجالات، وحتى الذهنيات في حاجة إلى تغيير والعقول في حاجة إلى تحرير، وإقصاء المنتخب من المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا لا يقل وقعا على إقصاء الكفاءات في مختلف المواقع، وتعطيل عجلة الإصلاح والتغيير، ولا يقل خطرا على المعنويات المنحطة التي يعاني منها أبناؤنا، والصمت الرهيب الحاصل بخصوص العجز والتقصير في الاهتمام بانشغالات أبنائنا .
وإذا اقتضت الضرورة أن يقصى منتخبنا مدى الحياة من نهائيات كأس أمم إفريقيا فليكن لأننا لا نريد انتصارات تنسينا همومنا ومشاكلنا، بل نريد سياسة رياضية وشبانية في مستوى تطلعات أبنائنا، ونريد منشآت قاعدية ومراكز تكوين يلج إليها من هم أهل لذلك بعيدا عن الجهوية والمحسوبية والبيروقراطية، وعندها نكون قد وفرنا شروط النجاح وأسباب التألق لمواهبنا الكثيرة في كل الرياضات ..
derradjih@gmail.com