-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“كولير” ضد الكوليرا..

عمار يزلي
  • 1011
  • 1
“كولير” ضد الكوليرا..

منذ أن بدأت حكاية الكوليرا عندنا، غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات والصور والفيديوهات والمقالات الساخرة. البعض ذهب إلى حد تصوير فيلم من نوع “الزومبي” كما في سلسلة “ولكينغ ديد” أو “زاد وولد”، “نهاية العالم”، بطولة “براد بيت”. كما ذهب البعض الآخر إلى تصوّر العودة إلى عهد الديناصورات والعصور الحجرية، بما يعني كله انتشار وباء ينذر بنهاية العالم.. خاصة وأن وباء الكوليرا مميت ومعدي وأحيانا لا شفاء معه..
هذا الحديث المسترسل حول تعامل المواطن مع مسألة في غاية الأهمية والخطورة، يوضح كيفية تعامل السلطات كلها مع الوباء: سكوت أولا، تقليل من الخطورة، استصغار وتحقير وانتهاء بالتعالي وازدراء المرضى وحملة الفيروس، حتى إن هناك فيديو صوّر أحد ولاة المناطق التي عرفت بعض الحالات، وهو يتحدث مع مريضة من وراء أقفاص عن بعد، خوفا من العدوى، وهي تطلب من الوالي وتوصيه خيرا بأبنائها، كونهم لا سكن ولا عائل لهم وأنه لا يهمها الموت وإنما كل ما تخشاه هو خشيتها على أبنائها من الضياع بعد موتها، والوالي يطمئنها من بعيد ويقول لها: من بعد من بعد ما تشفين سوف أتحدث مع العاصمة بشأنك..”، وكأن الوالي لا حول له ولا قوة حتى يتحدث “مع العاصمة” (كما يتحدث وزير الداخلية الأسبق هادي خديري مع الطائرة”) ـ هذه قصة أخرى لمن لا يعرفها حدث في أبريل 88، وكنت حاضرا ساعتها في مطار العاصمة لمتابعة مجريات اختطاف عناصر من حزب الله اللبناني طائرة الجابرية الكويتية وتوسط الجزائر في حل مشكل الرهائن، وكان هادي خديري هو من توسط وقال للصحافيين: “لقد تحدث مع الطائرة”.. وصارت العبارة تنذّرا وسخرية ونكتة أن يتحدث الوزير مع “طائرة” ـ
الطريقة التي تعاملت بها السلطات العليا والمحلية مع القضية توحي بأننا نعيش زمن “التحدث مع الطائرة”، حيث إنه لم يكن يجوز لأحد أن يتحدث أصلا، فما بالك مع “مختطفين” و”إرهابيين دوليين” أو تتحدث عن وباء منتشر. إننا نسيّر المسألة بنفس عقلية السبعينات.. حيث الغلق والسكوت والتقليل من الكبير والتهويل للصغير.
أتذكر هنا أنه لما توفيت والدة الزعيم التاريخي الرئيس أحمد بن بلة وكان لا يزال في السجن، جيء به ليحضر جنازة والدته في مدينة مغنية. وبما أن اسم بن بلة كان ممنوعا ناهيك عن الحديث عنه، فلم يسمع أحد بالخبر وكل ما سمعه سكان مغنية وولاية تلمسان ككل أن وباء الكوليرا قد دخل مغنية، فضرب عليها حصار لمدة 15 يوما، لا أحد يدخل ولا أخر يخرج. حصار مطبق بدعوى الوباء، ولم يعلم أحد بالأمر إلا بعد سنوات طوال.. والبعض في المنطقة ممن عاشوا سنوات الستينات والسبعينات، لا يزالون يعتقدون إلى اليوم بأن وباء الكوليرا قد انتشر فعلا في مغنية وكان هو سبب غلق المدينة على مصراعيها أمام الداخل والخارج. حتى إن الناس كانوا يمنعون من الخروج للعمل ومن مغادرة البيوت، وتأتي الشاحنات لتزويدهم بالمواد الغذائية والمؤونة. سيناريو مرعب يبدو واقعيا ومحاكاة لحالة انتشار وباء.. مع العلم أن كل ما في الأمر أن بن بلة جاء ليحضر جنازة والدته.. التي لم يسمع عن جنازتها هي الأخرى أحد إلا المقربين.
بهذه العقلية، نسير حالة اليوم: نسكت ولا نقول شيئا.. ونتحدث عن تسممات.. ثم.. حكاية الوزير “نقضي على الكوليرا في ثلاثة أيام”.. ثم تكذب الوزارة الوزير نفسه.. وتخبط مريب، يفيد أن السلطة في واد والشعب.. في شُعبة و”وأد” موؤود..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الطيب

    ياودي الكوليرا المظلومة خاطيها ...لأنه حسب الحالة التي نحن عليها اذا جات راه يسلك غير طويل العمر !
    أين الوقاية ؟ أين المستشفيات ؟ أين الإمكانيات لمحاصرتها ؟ و اذا ناض بن بلة من قبره سيسألكم : شكون مات ثاني في بوفاريك ..!؟