-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيان “فرانكشتاين” العالمي

عمار يزلي
  • 833
  • 0
كيان “فرانكشتاين” العالمي

العالم يتجه نحو تغير كبير، إن لم يكن قد تغير بشكل كامل، وهذا باعتراف كبار الساسة والمتابعين للشأن السياسي الدولي: عالم المستقبل لن يكون كسابقه، لا من ناحية البنية ولا من ناحية المواصفات والعلاقات الدولية.

لقد دخلنا بالفعل إلى عالم متعدد الأقطاب، على أنقاض سياسة الأقطاب الثلاثة الموروثة عن حقبة الحرب الباردة، وكل ما فيها أن العالم التقليدي سيتلاشى قوة وبنيويا، مع تنامي اقتصاديات الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة ثانية، فيما سيكون الغرب الأوروبي أكبر متضرر إذا ما سارت الأمور على النحو الذي تسير فيه اليوم: القارة العجوز، قد تتخلّف إلى المركز الثالث أو حتى الرابع، بعد تكتل دول الشرق، ومنها الصين ورسيا وحتى الهند، والحلفاء الاستراتيجيون في مجال التنمية الاقتصادية والأسواق، يمكن أن تكون من ضمنهم إيران وتركيا وباقي الدول المستقلّة حديثا عن الاتحاد السوفياتي إلا قليلا ممن انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، ثم التكتل الانجلو سكسوني بقيادة الولايات المتحدة. أوروبا قد تتأخر لمرتبة أدنى، خاصة مع منافسة الدول الناشئة في القارات الثلاث: أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا.

الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي، جعلت الأمر يبدو كما لو أنه من الممكن التقارب بين الاقتصادات الكبرى، بعد سياسة العصا الغليظة التي أظهرها، كإستراتيجية تضمن تنازلات تجارية دولية كبرى تسمح له بإدارة تشكيل العالم على هواه، ووفق رؤية التجارية المصلحية القائمة على التفوق الاقتصادي عبر التهديد بالقوة، من دون أن يكون مجبرا على استعمالها، لما فيها من هدر للمال وخسارة للكسب.

التقاربُ بين الولايات المتحدة وروسيا، ومحاولة ترامب تغيير الشرق الأوسط، حتى بعيدا عن تصور ورؤية الكيان الصهيوني بشأن الهيمنة على المنطقة، بما يحفظ المصالح الأمريكية، قد يجعل مكانة الكيان تتدحرج في سلم الأوليات في المنطقة، من دون أن يعني ذلك الاستغناء عن هذه اليد الممدودة في المنطقة، بل وفقط عندما تصبح دويلة الكيان عبءا اقتصاديا على الولايات المتحدة، فيما دول المنطقة كلها، تهبّ لنجدة الاقتصاد الأمريكي: المعادلة تكاد تتغير مع ترامب، وهو ماض في جلب أكبر الاستثمارات من دول العالم عبر سياسة العقوبات والتحفيزات الاستثمارية وسياسة التعريفات الجمركية، وعبر ضمان استقرار مناطق بأكملها، كما تراها الإدارة الأمريكية، لاسيما في الشرق الأوسط، حتى وإن أبت حكومة الكيان الحالية أن تنخرط بالمطلق في مشروع ترامب للشرق الأوسط الجديد.

غير أن هذا لا يعني التخلي عن الحليف الاستراتيجي، حتى ولو بدا ترامب غاضبا من نتنياهو، الذي لم يسايره كليا في تصوره للفهم “الابراهيمي”، لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. ترامب يرى أن الشرق الأوسط عليه أن يعاد تشكيله اقتصاديا ومصلحيا لصالح الاقتصاد العالمي ولأمريكا بالدرجة الأولى، فيما يرى الكيان أن الشرق الأوسط عليه أن يتغير ويعاد تشكيله بناء على هيمنة اقتصادية وإيديولوجية دينية توراتية. وهذا لبُّ الاختلاف في التصورين. لهذا يريد رئيس وزراء حكومة اليمين الديني المتطرف في الكيان المضي في تخريب المنطقة وفرض أمر واقع يفتِّت فيه الدول المجاورة ليتسنَّى له بسط نفوذه بالقوة العسكرية، بدءا من غزة فالضفة فسوريا ولبنان وإيران، وصولا إلى مصر والسعودية وبقية دول الخليج. النية المبيَّتة عند اليمين الصهيوني، تتجاوز رؤية ترامب الإبراهيمية، وهذا ما يقلق ترامب، من دون أن يجد قدرة قاهرة على ردع نتنياهو إلا عبر ضغوط خفيفة تراكمية قد تصل بعد فترة إلى إحداث اختراق في حكومة الكيان، التي يعضّ عليها رئيسها بالنواجذ خوفا من سقوطه.. بسقوطها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!