-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف أجرؤ على جرح وإدماء قلبي

كيف أجرؤ على جرح وإدماء قلبي

قائل هذه الكلمة “كيف أجرؤ على جرح وإدماء قلبي”، هو رجل عالم عاش طوال حياته أبيا عزيزا كريما، ولم يسمح لأحد – قريبا أو بعيدا- أن يمس هذا الإباء وهذه العزة وهذه الكرامة.. وأحسبه ممّن تجسد فيهم في عصرنا الحاضر مبدأ “العزة” التي حصرها الله – عز وجل- في ذاته – سبحانه وتعالى- وفي رسوله – صلى الله عليه وسلم- وفي صادق المؤمنين، حيث جاء في كتاب الله الذي ينطق بالحق: “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين”.
إن لهذه العزة ثمنا غاليا، لا يقدر على دفعه إلا من كان قلبه عامرا بالإيمان، ومعلقا بالرحمن، فلا يكبر في صدره كائن من كان..
لقد ابتلاه الله – عز وجل- بابتلاءات لو ابتلي بها كثير غيره لهان، ورضخ، وأعطى الدنية في دينه ووطنه.. وما قيمة الإنسان من غير دين، ووطن؟ إذ لا دنيا لمن لم يحي دينا ووطنا، ويبيعهما كما يبيع أزهد الأشياء وأبخسها.. مع أن الدنيا كلها لاتساوي عند الله جناح بعوضة – كما قال من لا ينطق عن الهوى..
إن الثمن الباهظ الذي دفعه هذا العالم العامل هو حرمانه من أعز ما يملكه الإنسان المؤمن بعد الإيمان بالله – عز وجل- وبرسوله، حرمانه من وطنه، وأهله، وعشيرته.. حيث نفي مرتين، مرة من الجزائر إلى تونس، ثم من تونس إلى مصر..
إنه العالم العامل، المجاهد بلسانه وقلمه، الشيخ إبراهيم اطفيش، الذي نفته فرنسا المجرمة.. من الجزائر إلى تونس، ثم من تونس إلى مصر، ولو أمكنها أن تؤذيه في مصر لما قصرّت في ذلك..
وأما هذه الكلمة فقد قالها الشيخ أطفيش لمحام فرنسي اسمه “بارون”، كلف ليدافع عنه، بعد القرار الظالم الذي اتخذته فرنسا بطرده من تونس إلى مصر.
في لقاء جمع هذا المحامي الفرنسي مع المقيم الفرنسي في تونس، قال هذا الأخير للمحامي: “سترى رجلا يبغض فرنسا بغضا ليس له نظير، ومع ذلك فإن قال لك إنه يحب فرنسا فإني سأتراجع عن قرار إبعاده، مع أني متيقن بأنه لن يقولها”.
ثم التقى المحامي الفرنسي بالشيخ اطفيش، وحاول أن يستلّ منه تلك الكلمة، لينجو من تنفيذ قرار الطرد، ودون أن يفكر الشيخ أو يتأنى قال لذلك المحامي: “عجبا أيها الكومندان بارون تسألني عن حب فرنسا، والحب محله القلب، فكيف أجرؤ على جرح وإدماء قلبي..” وانتهى اللقاء بأن قال ذلك المحامي للشيخ: “je sais”. (د.محمد ناصر: الشيخ إبراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي. ط. 5.ص 86). وقد حدثني الشيخ علي مغربي أن فرنسا لم تسمع كلمة خير من اثنين هما الشيخان الإبراهيمي واطفيش.. ومن أجمل ما قيل في معنى عداوة الأعداء قول الإمام عبد الحميد ابن باديس: “الحب والبغض سلامان لازمان في الحياة، ولا بقاء لأمة بدونهما إذا استعملتهما في محلهما”. (مجلة الشهاب، سبتمبر 1937. ص321).
ولم يتخل الشيخ عن عزته وجزائريته – رغم ضيق معيشته، حتى لقي ربه- رحمه الله، ورزق الأمة الإسلامية رجالا أعزة يغرسون العزة في نفوسها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • محمد

    لماذا لا تقوم الدراما الجزائرية بنشر مسلسلات تاريخية رمضانية عن هذه الشخصيات؟ هل هناك أنجح من المسلسلات التاريخية السورية ؟ لماذا هم ينجحون ونحن ينادي الفاشلون بفشلها قبل بدايتها .. للأسف الأجيال الحالية لاتعرف تاريخها ويصر الإعلام على طمسه بإهمال فقرات عظيمة في تاريخ المنطقة.
    تمنيت أن أرى مسلسلا أو حتى فيلما يحكي دولة الأدارسة في المغرب والجزائر وإمتدادها حتى إلى دولة الأمير عبد القادر الجزائري ، وأرجوا أن تكتب عنهم مقالا يا أستاذ للفائدة . شكرا لك.

  • Salah baheddi

    أنه فعلا عظيم من عظماء الجزائر و لكن مع الأسف الشديد القليل من الجزائريين يسمع عن الشيخ أبو إسحاق ابرأهم الطفيش. بارك الله فيك يا استاذ على مجهودك للتعريف بأعلام الجزائر

  • merghenis

    •يمكن الرجوع لـمقال الكاتب ،بعـوان" أبو إسحاق أطفيش" بتاريخ 18/07/2015 الموافق 28/09/1436 هــ -
    • في مقال آخر،كان أحد أشهر المصححين في دار الكتب المصرية.
    •يوجد على الشبكة موقع عنوانه :"جمعية الشيخ أبي إسحاق إبراهيم أطفيش لخدمة التراث"
    رحم الله الشيخ إبراهيم أطفيش.

  • RG

    وما قيمة الإنسان من غير دين، ووطن؟ إذ لا دنيا لمن لم يحي دينا ووطنا، ويبيعهما كما يبيع أزهد الأشياء وأبخسها.. مع أن الدنيا كلها لاتساوي عند الله جناح بعوضة – كما قال من لا ينطق عن الهوى..
    ــــــــ
    وهل جناح بعوضة يستغرق في خلقه 6 أيام!!
    الدين أديان و الوطن أوطان
    حيث أجد إيماني بمن خلقني حتما سأكون على ديني
    حيث أشعر بالإنتماء هناك أجد كرامتي هناك وطني
    ــــــــ
    أما بالنسبة إلى الشيخان الإبراهيمي واطفيش
    فهم لا يمثلان غيرهم لأنهما حاولا ولم يستطيعان ذلك
    ــــــــ
    عزة النفس ثقة
    المحبة تعامل
    الكرامة تاج الإنسان