كيف عبثت المقاومة الفلسطينية بنتنياهو؟

يقدّم نتنياهو نفسه بأنّه زعيم تاريخي للكيان، فهو رئيس وزراء في الفترات 1996-1999 و2009- 2021 و2025-2022؛ فإدارته لسلطة الاحتلال تشكّل ربع تاريخ الكيان.
لكن حماس جعلت منه:
أولا: الشخصية الأقل ضمانا للأمن القومي للكيان طيلة سنوات حكمه، وسيظل تاريخ السابع من أكتوبر 2023 أكثر دلالات الفشل في حماية مستوطني هذا الكيان.
ثانيا: يقدّم نتنياهو نفسه سياسيا ملهما قادرا على القيادة، لكنه منذ السابع من أكتوبر تحوّل إلى مجرد شخصية عبثية تنقصه الأهداف السياسية للحرب، ويفشل فيما يعلنه عنها من أهداف، إذ أصبحت الحرب هدفا بحد ذاتها بدون أفق سياسي وهو ما يقوّض دوره كقائد سياسي يتآكل رصيده السياسي يوما بعد يوم.
ثالثا: في كل سنوات إدارته لسلطة الاحتلال كانت مكافحة الإرهاب هي الشعار الغالب لسلوكه الحربي، وقد أدى به سلوكه المتوحش لاعتباره مجرم حرب. وهكذا تتجه حماس للتخلص مما ألحق بها وبالفلسطينيين عموما ليصبح صفة يشار بها لقيادة الكيان السياسية والعسكرية.
رابعا: يقدّم نتنياهو نفسه حاميا ومدافعا عن وجود الكيان، لكنه أصبح متهما بتغليب مصالحه الشخصية والحزبية على حساب مصالح الكيان وهو ما يرهن مستقبله السياسي.
خامسا: قدم نتنياهو مبرر حروبه بـ”حماية الحضارة الغربية والديموقراطية الوحيدة في المنطقة”، وهو اليوم يقدّم داخل الكيان نفسه بأنه أنهى الديموقراطية بمحاولاته المتكررة لجعل القضاء والجيش والإعلام مجرد أدوات للنزعة الفردية ودعم التسلطية والدكتاتورية.
وقد بدت أصواتٌ من الغرب لها وزنها تتبرأ من السلوك غير الحضاري وفلسفة التوحش التي تبناها حكومة اليمين المتطرف.
سادسا: قامت الدعاية الصهيونية ولعقود خلت على تشويه صورة الإسلام والعرب والمنطقة، وقد نجحت تلك الدعاية في جلب تعاطف الرأي العامّ الغربي مع الكيان مقابل خلفية عنصرية تجاه المنطقة العربية، لكن الاحتلال ومجازره اليومية بحقّ الأطفال والنساء منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، جعلته الأكثر نبذا في العالم، وهو الخطر الذي نبه إليه العديد من الكتاب الصهاينة أنفسهم، إذ أن سلوك جيش الاحتلال يعمل على تقويض شرعية الكيان على المستوى الدولي.
سابعا: يقدّم نتنياهو نفسه على أنه مشروع للانتصار الكامل على المقاومة، لكنه يتفاوض معها باعتبارها القوة المسيطرة على الميدان، وهو في مواجهة جبانة مع المدنيين خاصة من النساء والأطفال للتغطية على هزيمته الإستراتيجية في تحقيق النصر على المقاومة.
ثامنا: كان الكيان الأكثر استفادة من بعض المنظمات الدولية، لكن غباء نتنياهو قاد سلطة الاحتلال لتكون في مواجهة المؤسسات الدولية واتهامها بإيواء ودعم الإرهاب، وهو ما يساهم أيضا في تراجع شرعية الكيان الدولية.
تاسعا: قدم نتنياهو نفسه كقائد موحّد للكيان والغرب، لكن فلسفة التوحش قادت لظهور انقسامات داخلية و داخل المعسكر الغربي بشكل غير مسبوق.
عاشرا: تحالفات نتنياهو الإقليمية، وبعد أن خضعت لنوع من السرية، أصبحت خاضعة لنوع من الانكشاف الأمني، ما جعل السياسات والخيانات أمرا مفضوحا ومتاحا مكّن الأمة العربية والإسلامية وشعوبها من معرفة نقاط ضعفها الداخلية.
في دراسة للرأي العام أفريل الماضي، أعرب 24% فقط من جمهور الكيان أن لديهم مستوى عالٍ من الثقة في الحكومة إلى حدٍ كبير أو كبير جداً، في المقابل، أشار 76% إلى أن لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في حكومة بنيامين نتنياهو.
في المقابل فإن الدعم الشعبي الفلسطيني لأحداث السابع أكتوبر قد بلغ 80٪. وهذا هو الفرق بين شرعية المقاومة وشرعية من لا شرعية له.
حادي عشر: قامت سياسة نتنياهو على رفض كل مشاريع قيام الدولة الفلسطينية أو الاعتراف بها، لكنه يتابع اليوم التحول في الموقف الدولي وخاصة داخل المعسكر الغربي من مسألة الاعتراف الذي يؤشر لفشل دبلوماسي حتمي يضاف للفشل الاستراتيجي، والاتفاق الأمريكي اليمني، بعيدا عن نتنياهو يؤكد ذلك الفشل.
ثاني عشر: قامت سياسة نتنياهو على التوسُّع الاقتصادي، لكن الحديث اليوم يجري عن تطور لافت لظاهرة مقاطعة منتجات الكيان، والحديث أيضا عن تراجع حلفاء للكيان عن صفقات أسلحة للتأثير في سلوكه السياسي.
ثالث عشر: قادت سياسات نتنياهو بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى التحول من الدولة إلى الجماعة، فقد أخضع كل مؤسسات الدولة لجماعة من الرعاع المستوطنين والعصابات التي تنشط خارج القانون، وهو ما يجعل سلطته مجرد تشكيل عصابي يرتقي لوصف الإرهاب بتجاوزه للقانون الدولي وكذا لخضوعه لقطعان المستوطنين كقوة مسلحة خارج القانون داخليا.
رابع عشر: كانت الثقافة السائدة في منطقتنا العربية والإسلامية هي ثقافة التطبيع، لكن جرائم نتنياهو أسست للأدلة العملية الموثوقة بالصوت والصورة والشهادات وعلى المباشر كلها لسردية عربية وإسلامية فلسطينية تؤكد مظلومية الشعب الفلسطيني، لذلك فكل كلمة أو صورة أو وثيقة أو شهادة أو مقال أو قرار دولي من منظمات ومحاكم تصبح ضرورية لتوثيق الجرائم، لتكون مادة الإدانة أمام الرأي العامّ الدولي، خاصة وأن جيلا رقميا أكثر قابلية وتفاعلا مع الإعلام الرقمي الجديد بإمكانه تجاوز سردية الاحتلال التي قامت على تزييف الوعي عبر قنوات إعلامية وتعليمية وسياسية.
ما يقوم به نتنياهو من جرائم يدفع أيضا لما يشبه الإجماع في العالم العربي والإسلامي على ثقافة العداء للكيان الصهيوني، ومن ثم فإن الأجيال الجديدة المقتنعة بالمظلومية الفلسطينية هي المستقبل الذي سيتعامل معه الكيان، أي أن المزيد من التهديد هو المستقبل الذي يساهم نتنياهو في صنعه بجهالة وغباء.
خامس عشر: حاول نتنياهو وحكومته تسويق الكذب باعتباره حقيقة تاريخية، فالزعم بوجود جرائم قامت بها حماس، فندتها عديد التحقيقات الإعلامية الغربية. في حين ظلت الجريمة الوحيدة التي تشكل اليوم شبه إجماع عالمي هي جريمة الاحتلال والعدوان الصهيوني على أراض عربية.
سادس عشر: نجح نتنياهو بعد السابع من أكتوبر في تحويل الكيان من مجتمع الإخاء الديني القومي إلى مجتمع التصدعات الداخلية، تصدع ديني علماني، تصدع مدني عسكري، تصدع سياسي قضائي، وفي النهاية تصدع داخل الائتلاف الحاكم نفسه.
سابع عشر: قادت سياسات حكومة نتنياهو للتحول من الاقتصاد القيادي في المنطقة للانهيار، وهو سبب سحب العديد من الألوية العسكرية من غزة لبعث الروح في اقتصاد الكيان المنهار، والأرقام في مختلف القطاعات الاقتصادية تؤكد التوجه الحتمي نحو الانهيار.
ثامن عشر: قادت سياسات نتنياهو وحكومته لتوسع المقاطعة الأكاديمية للجامعات ومؤسسات التعليم العالي في الكيان ، فمنذ شن الحرب على قطاع غزة، كشفت معطيات رسمية حدوث انخفاض لعدد الطلاب الأجانب في الجامعات في الكيان بنحو 50% منذ اندلاع الحرب، وتراجُع حجم المنشورات العلمية بنسبة 21%. وكل ذلك يؤثر على مستقبل البحث العلمي المرتبط في الكيان العسكرة والسيطرة، إذ تضمن الجامعات التفوق العسكري وكذا إيجاد مبررات للسيطرة الصهيونية.
تاسع عشر: تحالف حكومي فاشل لكنه متماسك، لكنه ليس متماسكا حول إنقاذ الكيان، بل متماسك حول فكرة استمرار الحكومة بسبب نتائج دراسات الرأي العامّ الداخلي التي تؤكد تراجعه ولذلك يرى بأن مستقبله السياسي مرتبط فقط بتماسك الفاشلين، واستمرار الحرب هي مجرد استمرار أداة لاستمرار الفشل، وهو ما يؤدي لتراكم الفشل الذي سيكون بالضرورة في خدمة المقاومة.
المستقبل.
عشرون: في دراسة للرأي العام أفريل الماضي، أعرب 24% فقط من جمهور الكيان أن لديهم مستوى عالٍ من الثقة في الحكومة إلى حدٍ كبير أو كبير جداً، في المقابل، أشار 76% إلى أن لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في حكومة بنيامين نتنياهو.
في المقابل فإن الدعم الشعبي الفلسطيني لأحداث السابع أكتوبر قد بلغ 80٪. وهذا هو الفرق بين شرعية المقاومة وشرعية من لا شرعية له.