لئن شكرتم لأزيدنّكم
شهدت مناطق كثيرة من الوطن خلال هذا الأسبوع تساقط كميات معتبرة من الأمطار؛ استبشر بها الجزائريون، وفرح بها الفلاحون الذين كانوا على مدار الأشهر الماضية يتوجّسون عاما صعبا بعد تأخّر نزول الغيث من السّماء، لكنّهم الآن يرون مصداق قول الحقّ سبحانه ((اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (الرّوم).
خزائن المنعم -سبحانه- واسعة وفضله كبير، وهو –عمّ فضله- قادر على أن يجعل حياة عباده رغدا، لكنّه يبتلي بعضهم بنقص فيما تتعلّق به قلوبهم من الأموال والأنفس والثّمرات، ليدركوا حاجتهم إلى فضله، فيفرّوا إليه ويستقيموا على شرعه ويتضرّعوا إليه ويسألوه من فضله الواسع.. الجواد –سبحانه وتعالى- لا يعطي الآخرة إلا لمن يحبّ، ويعطي من هذه الدّنيا لمن يحبّ ولمن لا يحبّ، للمسلم وللكافر، للطّائع وللعاصي، لكنّه لا يُحلّ بركته إلا على عباده المؤمنين المتّقين، لأنّ العبرة ليست بالنّعمة في حدّ ذاتها وإنّما هي في توفيق العبد إلى شكرها وحسن استغلالها بما يعود عليه بالنّفع في الدّارين.
ربّما لن تمرّ سوى أيام أو أسابيع قلائل، حتى تتفجّر العيون وتكتسي الأرض حلّة خضراء، وربّما ينسى كثير منّا هذه النّعمة وينطلقوا إلى أشغالهم وأعمالهم يرون النّعم من حولهم ويغفلون عن شكر المنعم سبحانه.. إنّ الله -جلّ وعلا- غفور شكور يحبّ عباده الشّاكرين، وقد ربط –سبحانه- بين زيادة نعمه وإحلال البركة فيها، وبين الشّكر، فقال جلّ شأنه: ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)).. فكما ابتلانا الله في أشهر مضت بشيء من الضرّاء، فها هو الآن يبتلينا بالسرّاء، لينظر هل نشكره أم نكفره. فحريّ بنا ألاّ نغفل عن شكره والثّناء عليه بما هو أهل له، قبل أن نسأله المزيد من خيراته وبركاته، وحريّ بنا أيضا ألا ننسى إخوانا لنا في أماكن كثيرة ابتُلوا بالجدب والقحط، وإخوانا لنا في أماكن أخرى ابتُلوا بالبرد القارس وتقطّعت بهم السّبل، ومنهم من اجتمع عليهم البرد والتّشريد في مخيّمات اللّجوء.. هؤلاء وأولئك أحوج ما يكونون إلى دعوات صادقة تنطلق من قلوب تحسّ بمعاناتهم وتشاركهم آلامهم.. كما لا ينبغي لنا أن ننسى إخواننا السوريين والأفارقة الذين لجؤوا إلى بلادنا فرارا من جحيم حرب نستبشر بانتهائها، ممّن لا شكّ أنّ معاناتهم ربّما تتفاقم في أيام البرد هذه، وربّما يوجد بينهم من يبيت مع أهله وأبنائه يصارعون البرد ببطون خاوية.. وليس السوريون والأفارقة وحدهم من يعانون برد الشّتاء، فهناك إخوان لنا جزائريون يعانون الفقر والفاقة سائر أيام العام، وتزداد معاناتهم في الشّتاء، حيث ترتفع تكاليف الكهرباء والغاز والطّعام واللّباس، ويضطرّ كثير منهم إلى التخلّي عن بعض الضّروريات لأجل توفير ضروريات أخرى؛ فلا يليق أبدا أن يَنعم المسلم في بيته بألوان الطّعام وبالتدفئة الكافية في كلّ غرفة، بينما جاره لا يستطيع سوى تشغيل المدفأة لبضع ساعات من النّهار، خشية أن تأتيه فاتورة الغاز بقاصمة تدخله في دوامة من الديون لا يستطيع الخروج منها بسهولة.