-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا مفرّ من الله إلا إليه

سلطان بركاني
  • 838
  • 0
لا مفرّ من الله إلا إليه

كثيرا ما يسمع العبد المؤمن خطبا أو يتابع مقاطع تتحدّث عن عقاب الله للعصاة المتمرّدين وحسابه للغافلين المعرضين، ودروسا تتحدّث عن الموبقات والمهلكات، وعن الزّواجر والمحرّمات، فيتسلّل إبليس إلى قلبه ليقنّطه من رحمة الله، ويوسوس له بأنّ دخول الجنّة أمر صعب، بل مستحيل، بل ربّما ييئّسه ويقول له: أنت لن تدخل الجنّة، فلا تتعب نفسك، وينسيه سعة رحمة الله بعباده المؤمنين الذين يخطئون ويتوبون، ويعصون ويستغفرون، ويسوّل له أن يفرّ من خالقه ومولاه، بدل أن يفرّ إليه جلّ في علاه.

إنّ الله -جلّ وعلا- قد أنزل آيات كثيرة في كتابه تتضمّن وعيدا شديدا لمن يعصيه ويخالف أمره، لأجل أن يفرّ إليه عباده، ويلوذوا به من نزغات الشّيطان وشرور الأنفس الأمّارة بالسّوء، فيجدوا عنده العفو والمغفرة والرّحمة؛ كيف لا وهو الذي كتب على نفسه الرّحمة، وخلق مائة رحمة وأنزل منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق، وترك 99 رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، لم يستثن من رحمته عبدا من عباده مهما طالت غربته ومهما بلغت خطاياه وذنوبه، ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم))، يشفق على عبده أن تأخذ الدنيا بمجامع قلبه وتلهيه عن الآخرة، فيبعد بعض حظوظها عنه حتى يعمل للدّار الباقية، وربّما يبتلي عبده إذا رآه معرضا عنه، ليتذكّره ويعود إليه، ويسمع التوّاب الرّحيم آهات ودعوات عبده المنيب ويرى دمعاته.

مرّ النّبي –صلـى الله عليه وسلم- في أحد طُرق المدينة في جمع من أصحابه، فصادَف مرورهم وجود صبيّ صغير يَلعب في ذلك الطريق، فلمَّا رأَت أمُّ الصبيِّ القومَ قادمين خشِيَت على ولدها أن يوطأ من شدَّة الزحام، فأقبلَت إليه تسعَى وتهرول وهي تقول: ابني ابني، حتى أخذَته، فلمَّا رأى الصحابةُ هذا المشهَدَ قالوا: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنَها في النار! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا، ولا يلقي الله حبيبَه في النَّار”.. الله جلّ شأنه لا يلقي عبدا يحبّه في النّار أبدا، لذلك ينبغي لكلّ عبد مؤمن مسلم أن يسعى جاهدا ليعمر قلبه بمحبّة مولاه، فيكون أحبّ إليه من نفسه وماله وأهله ووالديه وأبنائه، ويوطّن نفسه على أن يكون الظّفر بمحبّة الله أكبر غاية له في هذه الدّنيا.. طبيعيّ أن يحبّ العبد خالقه ورازقه، لكن أن يصل هذا العبد إلى مقام يحبّه فيه مولاه، فتلك هي الكرامة التي ما بعدها كرامة، كرامة لا بدّ للعبد المؤمن أن يطلبها بغرس محبّة الله في قلبه وبالسّعي في طلب رضاه بجوانحه وجوارحه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!