لتَضحَك سيد “برنار سافاج”!
مازلنا نتصرف في مجال السياسة الخارجية لبلدنا بمنطق التخوين والعمالة بدل أن نتصرف بمنطق المصالح الوطنية العليا للبلاد وكيف نحققها. بدل أن يَسير النقاش حول زيارة وفد الاتحاد الأوروبي لبلدنا باتجاه كيف هي طبيعة العلاقة بيننا وبينه وكيف ينبغي أن نطوّرها لخدمة مصالحنا الوطنية، يتجه نحو تخوين هذا وتكذيب ذاك، فندخل في نقاش حول القشور وننسى لبّ الموضوع، ندخل في نقاش حول المظاهر وننسى الجوهر، لا نُمِكّن الرأي العام من معرفة لماذا جاء الاتحاد الأوروبي إلى بلادنا وفي أي إطار؟ وما هي نظرته للتعامل معنا في العقود القادمة؟ وكيف ينبغي أن تكون لنا سياسات بعيدة المدى معه لنخدم اقتصاد بلدنا ويعود ذلك بالفائدة على الجميع؟
بدل أن نغتنم مثل هذه الزيارات لنطرح الأسئلة الصحيحة حول مصير الاقتصاد الوطني، نتطاول على بعضنا البعض بالسب والشتائم وكأن ذلك هو جوهر السياسة.
نعم قد يكون ذاك هو جوهر السياسة بالنسبة لأشباه السياسيين ممن قذفت بهم الظروف نحو مناصب مرموقة في دواليب الدولة، ولكنه بالنسبة لنا هو خروج تام عن الموضوع؛ لأن السيد “برنار سافاج” رئيس البعثة الأوروبية سيكون من أسعد خلق الله عندما يغضب هذا من زيارة ذاك أو العكس، ولا يغضب من التبعية التامة لبلده للاقتصاد الأوروبي.. سيضحك ملء شدقيه لأن الجزائريين لم يغضبوا من كون 40 بالمائة من وارداتهم من الاتحاد الأوروبي في شهر جويلية الماضي وحده كانت مأكولات وسلعاً استهلاكية، سيضحك لأن الجزائريين لم يغضبوا كون بلدهم استهلكت خُمس ما استهلكته القارة الإفريقية برمتها من الاتحاد في سنة 2013، بما يزيد عن 32 مليار أورو أغلبها أغذية أو خردوات أو عربات.. سيضحك لأن كل هذا لم يُغضب الجزائريين، ولم يدفعهم لطرح الأسئلة الصحيحة حول سياستهم الخارجية في المجال الاقتصادي، وكيف لم تُحوَّل هذه المليارات إلى استثمار حقيقي مُنتج، وكيف أننا مازلنا إلى غاية شهر جويلية الماضي نصدّر95 .2 بالمائة محروقات و4.3 مواد نصف خامة أي 99,5 بالمائة من منتوج الأرض الذي لا قيمة مضافة لنا فيه، من دون أن يثير ذلك حفيظتنا وأسعار النفط تنهار بالتدريج..
سيضحك لأننا نزلنا بمفهوم الوطنية إلى مستوى السب والشتم والغضب من زيارة هذا من دون ذاك، بدل أن نرتفع بها إلى الإجابة عن السؤال الاستراتيجي الذي قد يُعيد لنا الأمل: كيف نوقف هذه التبعية للغرب والشرق ولاقتصاد المحروقات؟
لو استحضر سياسيونا هذا السؤال لما فكّروا في أمر آخر، ولكن هيهات.