-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لذّة الجود ومتعة العطاء في رمضان

سلطان بركاني
  • 1361
  • 0
لذّة الجود ومتعة العطاء في رمضان

كثيرا ما يميل الإنسان في هذه الدّنيا إلى نزغات الشّيطان، ويصغي إلى وساوسه بسمعه وقلبه، فيغريه بأنّ السّعادة في هذه الحياة لا تحصل إلا بجمع الأموال وكنزها، فإذا استغرق جهدَه ووقته في جمعها، صوّر له قرينُه الفقرَ بين عينيه، حتى لا ينفق من أمواله في وجوه البرّ والخير، “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”، فتتحوّل تلك الأموال إلى بلاء في حياة ذلك العبد، تملأ قلبه، وتشغل باله، فلا يستمتع بلقمة ولا يستسيغ شربة ولا يهنأ بنومة، ولا يكاد يُرى إلا وهو يشكو ذهاب البركة وتوالي البلايا والمصائب وضياع الأبناء ونشوز الزّوجة، “فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، تصبح الدّنيا أكبر همّه، وينسى الآخرة والموقف بين يدي الله، حتى يعاين الموت، ويدرك أنّ أمواله لن تغني عنه شيئا، فيندم ساعة لا ينفع النّدم، ويتمنّى لو يمنح فرصة أخرى، لكن هيهات، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (*) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (*) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون”، ولو كان الأمر ينتهي بحسرات الموت لهان، لكنّ ما بعده أشدّ منه، يقول الحقّ جلّ وعلا: “وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (*) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون”.

والعبد المؤمن الكيّس الفطن، هو من يدفع نزغات الشّيطان، ويفطن لوعوده الكاذبة، ويعرف الدّنيا على حقيقتها؛ فيخرجها من قلبه، ويتّخذها مطية ومزرعة للآخرة؛ لا تلهيه أمواله ولا أولاده عن ذكر الله وعن الصّلوات والصّدقات، وصلة الأرحام، وتشييد وإعمار بيوت الله. قلبه معلّق بما عند الله، يغرس جنّته بأموال يجعلها في أيدي الفقراء والمساكين، ويساهم بها في رفع بيوت الله، لا يعرف البخلُ إلى قلبه طريقا، يده معطاءة لا يتسلّل إليها الكلل ولا الملل، لأنّه جرّب فوجد للجود لذّة وللعطاء حلاوة، ولأنّه يعرف أنّه في تجارة مع من بيده خزائن السّماوات والأرض، ومن وعد ووعده حقّ وصِدق بأن يعوّض المنفقَ خيرا ممّا أنفقوَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين، ويرزقَه رقّة القلب وسعادة الرّوح، ويبارك له في صحّته وبدنه وماله ويحفظ له أهله وأولاده، يقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: (صنائع المعروف تقي مصارع السّوء)؛ يدرك جيّدا أنّ الكنز الحقيقيّ هو ما يقدّمه في دنياه ليأخذه في أخراه، مضاعفا أضعافا كثيرة، ويعرف أنّ الصّدقة نور في القبر وظلّ يوم القيامة، وجوار من غضب الجبّار سبحانه؛ فهو يطلب الدّنيا والآخرة بالمتاجرة مع الله، وبذل القليل والكثير ممّا آتاه الله، شعارهالمال مالُ الله أودعه لديّ، لأوصله إلى مستحقّيه“.

العبد المؤمن الكيّس الفطن ينفق في كلّ وقت دون كلل أو ملل، ويزيد عطاياه في مواسم البركات، التي تضاعف فيها الحسنات، ليزداد قربا ممّن يقبل التّوبة ويأخذ الصّدقات؛ ولعلّ من أعظم المواسم التي ينبغي للعبد المؤمن ألا يفوّتها ليزيد أرباح تجارته مع الله، شهر رمضان؛ فقدوتنا المصطفى عليه الصّلاة والسّلام كان أجود النّاس، فإذا حلّ رمضان كان أجود بالخير من الرّيح المرسلة، ليعلّم أمّته أنّ ثمرة الصيام والقيام لا تتمّ إلا بالإنفاق والإطعام، وأنّ جنّة رمضان لا يدركها إلا من أرسل يده بالخير طلبا لرضا الحنّان المنّان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!