لعبة الأمم في سوريا.. مَن يمسك بخيوطها؟
الفواعل الرئيسة التي تُحرِّك اللعبة في سوريا هي:
– أولا: مجموعة أمريكا ورأس حربتها الكيان الصهيوني، وتضم بالدرجة الأولي فرنسا وبريطانيا وألمانيا… إلخ.
– ثانيا: مجموعة روسيا، وتضم كلًّا من إيران والعراق واليمن (صنعاء) وسوريا سابقا، برأس حربة في لبنان حزب الله.
– ثالثا: مجموعة تركيا وتضم دولا حليفة مثل قطر والمعارضة السورية الموالية لها في الشمال وبخاصة في إدلب كرأس حربة.
باقي المجموعات مثل مجموعة الدول العربية بما فيها مصر ودول الخليج، ومجموعة الصين وبقية الدول التي لها مصالح في الشرق الأوسط لا تمتلك رأس حربة مباشرة في الميدان، ومن ثَم، فإن تأثيرها محدودٌ وغير مباشر.
في الوقت الراهن، مجموعة أمريكا وتركيا هما الأكثر تأثيرا في المنطقة ومجموعة روسيا هي الأكثر تأثّرا؛ تركيا بوصول رأس حربتها جماعة “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق، ومجموعة الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبح رأس حربتها الكيان الصهيوني على أبواب دمشق بعد احتلال القنيطرة والشروع في تمهيد الطريق نحو عاصمة الشام ولِمَ لا نحو الفرات (حلم الصهاينة من النيل إلى الفرات بات قابلا للتحقيق خلال أيام إن لم نقل ساعات).
أما المجموعة الرُّوسية، فلم يبق لها في الميدان سوى قاعدتها العسكرية في حميميم بعد سقوط حليفها الأسد، وانسحاب القوات الإيرانية وعدم قدرة حزب الله على الفعل على أرض المعركة وقد استُنزف في حربه مع الكيان جنوب لبنان وقُطع طريق القلمون عنه للحصول على الأسلحة من إيران بضرب المنطقة جوًّا ودخول قوات صهيونية أو موالية لها في الأيام الأخيرة. باقي المجموعات التي ليس لديها رأس حربة مباشر في الميدان لا تستطيع سوى التأثير بالأموال أو البيانات السياسية، وهي أدوات غير فعَّالة بالقدر الكافي في الوقت الراهن.
في ظل هذا الوضع مَن يمسك بخيوط لعبة الأمم في سوريا؟
هناك طرفان رئيسان يتصارعان اليوم: الأمريكي والتركي. رهان الأول الكيان ورهان الثاني “هيئة تحرير الشام”. وكلاهما في وضع صعب ويعتمد تكتيكا مختلفا عن الآخر لتحقيق أهدافه. الكيان الصهيوني (ومن خلفه أمريكا) كان من مصلحته أن تدخل الجماعات المسلحة إلى دمشق وتطيح بالحكم القائم ليكون الوضع على ما هو عليه الآن ويسمح له بتحطيم مقدرات الجيش السوري وقطع طريق تمويل حزب الله بالكامل، وفي الوقت ذاته الوصول إلى أعتاب دمشق بسهولة ومن دون أيِّ مقاومة ولا حتى بيانات سياسية من الجماعات المسلحة المناهِضة لحكم الأسد… وهذه الجماعات المسلّحة ومن خلفها تركيا كان من مصلحتها عدم الدخول في صراع مع الكيان الصهيوني، حتى تتمكّن من تحقيق أهدافها بالوصول إلى دمشق، وهو ما يُفسِّر عدم مشاركتها في نصرة غزَّة وفتح جبهة الجولان مع الكيان، وهو ما خَدَمَ هذا الأخير وأعطاه مزيدا من الأريحية في معركة طوفان الأقصى. وهنا تبدو تقاطعات لعبة الأمم في المنطقة، ويبدو عمق التلاعب بخيوطها خاصة استخدام الجماعات المُسلَّحة بطريقة يصعب التمييزُ فيها بين كَوْن ما تقوم به هو بالمحصّلة، في صالح أهدافها أم في صالح أهداف الكيان الصهيوني! وهو ما يجعلنا نتوقع اكتشاف المعارضة ومعها تركيا في آخر المطاف أنهم سيُمنَعون من تحقيق أهدافهم بكافة الوسائل حتى وإن احتلّ الكيان دمشق إذا لزم الأمر! خاصة إذا ما جرى تقاسُم الغنيمة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا. في هذه الحالة، سيتمثل المشهد في التالي: الإبقاء على الفوضى في سوريا لأطول مدة من الزمن (بالسنوات)، بلا غالب ولا مغلوب. خلالها تنفرد روسيا بالساحل السوري وأمريكا بشرق سوريا وتركيا بشمالها حيث مصالح كل منهم الاستراتيجية والاقتصادية. وهذا، يستلزم منع قيام دولة وطنية سورية قوية بجيش وطني قوي لعقود قادمة، خدمة لمصالح القوى الكبرى…
هذه هي لعبة الأمم، سيخرج منها العرب بِخُفَّي حُنين، ويكتشفون، بعد فوات الأوان، أنهم ما داموا من دون محور ولا رأس حربة وقوة عسكرية في الميدان، سيُعامَلون بمذلة واحتقار من قبل أمريكا والكيان وروسيا وإيران وتركيا المُعزَّزين إما بكيانهم الصهيوني أو جماعاتهم المسلحة أو بأسلحتهم الاستراتيجية بما فيها النووية… تلك هي صورة الأيام القادمة، بعيدا عن العواطف والمزايدات، وكان بإمكانهم أن تكون المقاومة في غزّة هي رأس حربتهم التي بها ينتصرون… وسَتبقى فرصتهم قائمة إِنْ هم بحثوا عنها في فلسطين قبل أي مكان آخر.