لماذا تجنب الملك نبرة التهديد تجاه الدول الأوروبية؟
كشف مضمون خطاب عاهل المملكة المغربية، محمد السادس، ليلة الجمعة إلى السبت 11 أكتوبر 2024، عن مستوى الضعف الذي أصبح عليه النظام المغربي منذ صدور قرار محكمة العدل الأوروبية، الذي قضى بأن لا سيادة للعائلة العلوية على الأراضي الصحراوية المحتلة، معلنا بطلان اتفاقيات الصيد والزراعة الموقعة بين الرباط والاتحاد الأوروبي.
وكان لافتا في خطاب الملك، محمد السادس، غياب أي إشارة إلى قرار محكمة العدل الأوروبية الذي هز أركان العرش، إلى درجة أن وزير خارجية النظام في الرباط، خرج بتصريح مثير للضحك، قال إن ذلك القرار لا يعني المملكة المغربية، حتى وهو الذي منعها من تجديد اتفاقية الصيد والزراعة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، التي انقضى آجلها في 17 جويلية من العام 2023.
وعلى الرغم من أن قرار محكمة العدل الأوروبية لم يمض على صدوره سوى أسبوع، إلا أن الملك المغربي لم يتجرأ ولم يشر إليه بنصف كلمة، فيما راح يتحدث عن أحداث مرت عليها أشهر وسنوات، فقد شكر فرنسا على دعم رئيسها، إيمانويل ماكرون، لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، الذي مر عليه نحو ثلاثة أشهر، كما عاد إلى موقف رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بخصوص القضية ذاتها، وهو الذي مر عليه أكثر من سنتين ونصف.
وبدا أن لسان حال الملك المغربي وكأنه يحاول إلهاء الشعب المغربي وتحويل أنظاره عن الضربة التي قصمت ظهر النظام في الرباط، والمتمثلة في قرار محكمة العدل الأوروبية، التي ستنجر عنها حتما تداعيات دبلوماسية وسياسية خطيرة على مستقبل القضية الصحراوية، مقابل تركيزه على قرارات سابقة لم تقدم ولم تؤخر شيئا من هذه القضية، في محاولة يائسة لتغليط الرأي العام المغربي، الذي يملك قدرا من الوعي يمكنه من إدراك قاعدة أن قرار العدالة ملزم لرجل السياسة وإن حاول القفز على الحقائق كما فعل ماكرون وسانشيز.
واختفت النبرة التهديدية التي اعتاد الملك المغربي ترديدها في خطاباته، من قبيل أن قضية الصحراء الغربية هي “النظارة التي ينظر من خلالها المغرب إلى العالم، وهي المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، والتي عادة ما يوجهها لشركائه كما يقول.
ولم يجرؤ الملك المغربي هذه المرة على تهديد الدول الأوروبية التي أعلنت التزامها بقرار محكمة العدل الأوروبية وفي مقدمتها، كبير القارة العجوز ألمانيا، ومعنى ذلك الإعلان النهائي عن موت اتفاقية الصيد بين الرباط وبروكسل، بتحلل تلك الدول من إبرام أي اتفاق مع النظام المغربي لنهب ثروات الشعب الصحراوي مستقبلا.
وقد خلف مضمون خطاب العاهل المغربي الخالي من أية إشارة إلى قرار محكمة العدل الأوروبية، حالة من الإثارة لدى المختصين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، لأن الجميع كان ينتظر من خطاب المسؤول الأول والأخير على المملكة العلوية، إجابات على الأسئلة التي أثارها الشعب المغربي حول مستقبل احتلال الصحراء الغربية من قبل النظام المغربي، في ظل قرار العدالة الأوروبية الأخير، لأن مواقف الـ27 دولة أوروبية عضو في الاتحاد، ستكون محسوبة بالميليمتر في المستقبل.
وفي تغريدة له عبر حسابه في منصة “أكس”، غرد الصحفي الإسباني المختص في الشؤون المغربية، إيناسيو سامبريرو قائلا: “أصيبت ولكن لم تغرق”، وهو عنوان على صدر الصفحة الأولى للأسبوعية المغربية “تل كال”.
وعلق على هذا العنوان قائلا: “إحدى المنشورات المغربية النادرة التي لا تقلل بشكل مفرط من الحكمين القضائيين للاتحاد الأوروبي، اللذين ألغيا اتفاقيتي الصيد والزراعة مع المغرب”.
كما توقف الصحفي المغربي المشهور، علي لمرابط، والذي سبق له وأن سجن من قبل النظام المغربي، عند مضمون خطاب العاهل محمد السادس، وكتب في تغريدة له في حسابه على منصة “إكس” قائلا: “كلمة الملك في افتتاح البرلمان المغربي: شكراً لماكرون على اعترافه بمغربية للصحراء. شكرًا لإسبانيا حتى هي. حتى (ولا) كلمة واحدة عن حكم محكمة العدل الأوروبية الذي أبطل اتفاقيتين تجاريتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول الصحراء”.
وتكشف هذه التغريدات حجم الضرر والحرج اللذان سببهما قرار محكمة العدل الأوروبية للنظام المغربي، لأن القصر ومختلف أذرعه حاول وعلى مدار السنوات القليلة الأخيرة وبالضبط منذ تطبيعه مع الكيان الصهيوني وتغريدة الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، في ديسمبر 2020، تسويق أخبار مفادها أن القضية الصحراوية حسمت، قبل أن تأتيه الضربة القاصمة من محكمة العدل الأوروبية، التي قوضت جميع أحلامه.