لماذا حرم رؤساء “الفاف” أنفسهم من خبرة سعدان طيلة سنين
عاد مجددا شيخ المدربين رابح سعدان إلى محيط الكرة الجزائرية بعد غياب لعدة سنوات، حيث استعانت “الفاف” بخدماته حتى يكون منسقا وهمزة وصل بين القاعدة التقنية والاتحادية والمدير الفني الوطني، وهي خطوة وصفها الكثير بالمهمة، في ظل حرص “الفاف” على مشروع يعيد الهيبة للكرة الجزائرية من الناحية الفنية والتنظيمية، والاستثمار في خدمات أهل الخبرة من طينة الناخب الوطني السابق رابح سعدان.
تسعى الفاف بقيادة رئيسها الحالي وليد صادي إلى تحسين وضعية كرتنا، بغية تجاوز لنقائص والعودة إلى الواجهة من أوسع الأبواب. وعلاوة عن رهان الدبلوماسية الرياضية الذي يعد أكثر من ضروري لضمان علاقات جيدة ومتينة على الصعيدين القاري والإقليمي وحتى الدولي، فإن هناك رهانا آخر يصب في خانة تحسين العمل الفني على صعيد الفرق والمنتخبات، وتشجيع سياسة التكوين التي لم تنل حقها من العناية والدعم خلال السنوات الأخيرة، ما جعل البطولة الوطنية سوقا مفتوحة لانتداب اللاعبين مقابل أموال ضخمة دون أن ينعكس ذلك من ناحية الأداء فوق الميدان، بدليل العجز في تدعيم المنتخب الوطني بلاعبين محليين تكون لهم القدرة في منح الإضافة، ما تطلب الاستنجاد باللاعبين المحترفين والمغتربين لحفظ ماء الوجه، وهذا على خلاف فترة الثمانينيات التي كانت فيه بطولتنا تنجب مواهب كروية تنافس المحترفين على حجز مكانتهم في التشكيلة الوطنية، ناهيك عن احتراف الكثير منهم وبروزهم اللافت مع عدة بطولات أوروبية، على غرار ماجر وعصاد وبن ساولة ومناد والبقية.
ويظهر أن “الفاف” قد وصلت إلى قناعة بان إحداث ثورة كروية يتطلب الاهتمام بتكوين فني قاعدي، ما جعل وليد صادي يستنجد بشيخ المدربين رابح سعدان لتولي مهمة منسق عام على مستوى الهيئة التقنية، حتى يكون همزة وصل مع جميع الأطراف بين القمة والقاعدة، وفي الشقين الفني والإداري، وهذا بناء على خبرته ورؤيته العميقة، وكذلك معرفته لخبايا وأمراض الكرة الجزائرية، وكذلك تجاربه المهنية الناجحة مع المنتخب الوطني، وهو الذي ساهم في تأهل “الخضر” إلى مونديال 82 بمعية روغوف ومعوش، وقيادته إلى مونديال 86 بمكسيكو وهو دون سن الأربعين، وكذلك إعادة المنتخب الوطني إلى واجهة كأس العالم في نسخة 2010 بعد غياب دام 24 سنة كاملة، إضافة إلى عديد التجارب الناجحة مع أندية محلية وعربية، من ذلك تتويجه بكاس إفريقيا للأندية البطلة عام 1989 مع الرجاء البيضاوي المغربي على حساب مولودية وهران بملعب هذه الأخيرة، ونيل كأس العرب عام 2007 مع وفاق سطيف، وتدريب أندية معروفة في البطولة التونسية والسعودية مطلع التسعينيات، وغيرها من التجارب والمحطات الهامة والنوعية التي ميزت مسيرته المهنية، وهو الذي كرس حياته كلها في خدمة كرة القدم، سواء من الناحية الميدانية أم الأكاديمية، بحكم انه كان لاعبا سابقا ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ونال شهادة الدكتوراه في الرياضة، والأكثر من هذا فقد خاض غمار التدريب في سن مبكرة، ما مكنه من الاستفادة من خبرة تقنيين أجانب وإطارات من فريق جبهة التحرير الوطني بشكل مكنه من كسب حنكة كثيرا ما سمحت بصنع الفارق في مباريات حاسمة ومصيرية.
وإذا كان شيخ المدربين الجزائريين رابح سعدان قد ترك بصمته على الصعيدين الوطني والإقليمي، وهو الذي يبقى اسمه مرتبطا بعدة انجازات وملاحم كروية صنعها المنتخب الوطني وأخرجت الجماهير الجزائرية إلى الشارع، إلا أن الكثير يتساءل عن الأسباب التي جعلت أغلب رؤساء الفاف يخسرون خدمات رابح سعدان طيلة هذه السنين، حتى أن بعض تجاربه مع “الخضر” كانت بصفة مؤقتة أو اضطرارية، على غرار ما حدث في العام 1999 حين شكل “كومندوس” ساهم في التأهل إلى “كان 2000” ثم انسحب مباشرة بعد التصفيات، وكذلك الشأن في الجولات الأخيرة من التصفيات المؤهلة لـ”كان 2004″، حين تأهل إلى الدور ربع النهائي في نسخة تونس، وأحدث مفاجأة مهمة مع منتخب منهار، مثلما أرغمت “الفاف” على الاستنجاد به مجددا بعد مهزلتين متتاليتين حرمتا “الخضر” من التواجد في نسختي 2006 و2008 من “الكان”، ناهيك عن تواصل الغياب عن المونديال، قبل أن يقلب الموازين وفق عمل شرع فيه عام 2007، فتمكن من حجز مكانة في مونديال 2010 وتأهل إلى نصف نهائي “الكان” في ذات العام، قبل أن يخرج من الباب الضيق بمجرد التعادل أمام تنزانيا في بداية تصفيات “كان 2012، ليتكرر مشهد إخراجه من الباب الضيق في عهد زطشي أشهرا قليلة بعد تعيينه مديرا فنيا وطنيا عام 2018.
وفي الوقت الذي يصف البعض بأن خطوة صادي تصب في خانة رد الاعتبار للمدرب سعدان والاعتراف بماضيه الكروي وكفاءته العالية، فإن الفرصة تعد مواتية للاستفادة من خبرته الطويلة وحنكه النوعية، مثلما تعد الفرصة مواتية لمواصلة الاستفادة من مختلف الكفاءات القادرة على تشريح وعلاج الكثير من الأمراض التي تعاني منها الكرة الجزائرية.